يقول سبحانه: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الروم:37] (أو لم يروا) أي: أفلا ترون ذلك؟ أن الله يعطي ويمنع، يرفع ويضع، يبسط ويوسع، يقدر ويضيق، فيبسط لمن يشاء ويضيق على من يشاء، ولا يعني أن من بسط له في الرزق أن الله يحبه، فالله عز وجل يضيق على من يشاء، ويوسع لمن يشاء لحكمة يعلمها هو، فقد ضيق على النبي صلى الله عليه وسلم في حياته كلها عليه الصلاة والسلام، حتى فتحت له في آخر حياته الفتوح فلم يستمتع بها صلى الله عليه وسلم، بل توفي عليه الصلاة والسلام ولم يستمتع من الدنيا بشيء، ولذلك كان بعض الصحابة يأكل خبز الشعير وخبز القمح ويقول لمن حوله: إن النبي صلى الله عليه وسلم ما شبع من خبز الشعير ثلاثة أيام، صلوات الله وسلامه عليه، ونحن نأكل خبز القمح ثم ننام -كما نزعم- جائعين مع ذلك! وهو صلى الله عليه وسلم لم يشبع من الخبز الحاف، فضلاً عن خبز القمح، فما ذاقه النبي صلى الله عليه وسلم، إنما كان يأكل خبز الشعير عليه الصلاة والسلام، وكان يضع الحجر على بطنه من شدة الجوع ليلة وراء ليلة، وهو لا يجد ما يأكله صلى الله عليه وسلم، فلما فتحت عليه الدنيا وفتحت له الفتوح عليه الصلاة والسلام إذا به يقول: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة)، فهذا المال ليس لي ولا لأهلي من بعدي، بل هو مال الله عز وجل، فليس لي من مغانمكم أموالكم إلا الخمس، قال: (والخمس مردود عليكم) أي: وحتى الخمس الذي له صلوات الله وسلامه عليه مردود على الناس، يعطيه للضيف ولابن السبيل ونحوهما، هذا هو النبي صلوات الله وسلامه عليه، وقد قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.