قال سبحانه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت:61].
وقوله: ((لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ))، يعني: لئن سألت الخلق: ((مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)) وكل مخلوق -سواء كان مسلماً أو كافراً- يعلم أن الله هو الخالق سبحانه وتعالى، ولا يكابر في ذلك إلا كذاب جاحد مكابر، كما كابر فرعون وكما كابر النمرود، وإذا بالله عز وجل يفضح الاثنين وغيرهما ممن جحد ذلك، فهذا النمرود لما زعم أنه يحيي ويميت قال له إبراهيم: {إِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة:258] أي: فضح وأسكت وألقم حجراً، ولما قال له إبراهيم: ((رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي ويُمِيتُ)) تعاظم وقال: وأنا أيضاً أحيي وأميت، فقيل له: تحيي من؟ فقال: أحكم على واحد بالإعدام ومن ثم أعفو عنه فأكون قد أحييته، فلما كان هذا الكلام كلاماً فارغاً وظاهر الفساد، ولكنه سيجد من يدافعون عن هذا الكلام، أعرض إبراهيم عن هذا الشيء الذي يعرفون أنه كاذب فيه، وأتى له بشيء ثان أشد منه لا يقدر أن يدعيه، فقال له: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة:258].
وسار على حذوه فرعون بعد ذلك وقال للناس كما حكى الله عنه: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:24]، وقال كما حكى الله عنه: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51]، فإذا به يستخفهم فيصدقونه، فيفضحه الله سبحانه حين يغرقه في اليم ويرفع يديه ويدعو ويقول: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ} [يونس:90]، فما زعم أحد أبداً أنه رب إلا وفضحه الله سبحانه وتعالى وأظهر كذبه.
قال سبحانه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [العنكبوت:61]،
صلى الله عليه وسلم أن الخالق واحد وهو الله سبحانه.
إذاً: هنا العباد لا يختلفون في أمر الخالق، حتى ولو أنكروا بألسنتهم فإن القلوب تقر أنه خالقهم، ولكن في التوجه في العبادة: إلى من يتوجهون بالعبادة؟ ومن الذي يعبدونه؟ هنا يختلفون؛ فهؤلاء يعبدون شيئاً وهؤلاء يعبدون غيره إلا من هدى الله سبحانه إلى توحيده.
قال سبحانه: {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت:61]، أي: إذا كانوا يعرفون الخالق سبحانه الذي يرزق والذي خلق السماوات والأرض والذي سخر الشمس والقمر وجعل الشمس تجري لمستقر لها، والقمر يدور مع الأرض وكل شيء بحساب وبقدر عنده تبارك وتعالى، فكيف يصرفون عن توحيد الله؟! وقوله: ((أَنَّى يُؤْفَكُونَ)) يؤفك بمعنى: يصرف ويمشي بعيداً ويضل، والمعنى: كيف ضلوا عن عبادة الله؟! وكيف صرفوا عن توحيد الله وقد عرفوا أنه الذي يخلق ويرزق سبحانه؟!