أخبر سبحانه في هذه الآية كيف أن الدواب كلها تتوكل على ربها سبحانه وهو يرزقها تبارك وتعالى فقال: {وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} [العنكبوت:60].
وقوله: (وَكَأَيِّن)، هذه قراءة الجمهور، وقرأها ابن كثير: (وكآين) بالمد المتوسط، وقرأها أبو جعفر بالتسهيل مع المد ومع القصر: (وكآين من دابة لا تحمل رزقها) بالتكسين فيها وبالتسهيل.
إذاً: هنا قراءة: (وكآين من دابة) بتسكين النون سواء في قراءة ابن كثير أو في قراءة أبي جعفر، والجمهور يقرءون: (وكأيِّن من دابة) تسكن وتدغم فيما بعدها.
وقوله: {وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} [العنكبوت:60]، في هذا إشارة إلى أنه لا يوجد دابة تحمل رزقها ذاهبة وآتية، ولكن القليل من أنواع الدواب هي التي قد تفعل ذلك، ولكن الأكثر من الدواب التي خلقها الله عز وجل لا تحمل رزقها على ظهرها فتذهب وتجيء به، وإنما تبحث فتأكل، فإذا أكلت اكتفت.
والدابة: كل ما يدب على الأرض من حيوان، والمقصود: أن كل دابة قد خلقها الله سبحانه وتعالى لا تحمل رزقها، ولكن الله عز وجل يرزقها وإياكم.
لقد علم الله عز وجل العباد كيف يصبرون على أمر الله سبحانه وتعالى، وكيف يتوكلون على الله ويحسنون الظن بالله سبحانه وتعالى، فيصبر الإنسان، وإن جاع لا يجلس في بيته، وإنما عليه أن يذهب ليبحث عن الرزق متوكلاً على الله واثقاً بالله، فإذا بالله سبحانه وتعالى يفتح له باب الخير، وقد يمتحنه ويختبر إخلاصه هل يصبر أو لا يصبر؟ فيضيق عليه شيئاً ثم يأتي الفتح والفرج من الله تبارك وتعالى.
وقوله: {وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} [العنكبوت:60]، أي: ويرزقكم أنتم أيضاً، فالإنسان ينظر ويعتبر، فانظر واعتبر كيف رزق الله كل هذه الدواب؛ فرزق كل طائر يطير في السماء، وكل إنسان يسير، وكل حيوان يدب على أربع، وكل حشرة، وكل شيء يرزقه الله تبارك وتعالى.
فقوله: ((اللَّهُ يَرْزُقُهَا))، يعني: الدابة ((وَإِيَّاكُمْ))، يعني: يرزقكم الله سبحانه وتعالى.
وقوله: (وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيم)، أي: يسمع دعاءكم حين تقولون: يا رب! ارزقنا يا رب! أعطنا، وهو العليم بمن يستحق هذا ومن يستحق ذلك.