والصلاة تعين الإنسان على تقوى الله سبحانه وتعالى وتعينه على اجتناب المعاصي والفواحش، قال سبحانه: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45].
فالإنسان المؤمن حين يسمع الأذان للصلاة يستمع له ويردد الأذان: الله أكبر من كل شيء، فلو أنه انتبه لهذا الذي يسمعه علم أن كل شيء حقير، والله عز وجل الكبير الجليل العظيم المتعال سبحانه، فلجأ إليه وترك كل شيء، وتوجه إلى بيت الله لهذه الصلاة العظيمة مستريح النفس ولن يضيع منه شيء من الدنيا، وكيف تضيع منه مصالحه وكيف تضيع منه أمواله وهو ذاهب ليطيع الله سبحانه وتعالى؟! فهو متوجه إلى الله عز وجل ليصلي الصلاة المكتوبة، وهو ذاكر لله وداخل إلى بيت الله، فلن ينظر إلى فلانة وهي تمشي في الطريق، ولن يخدع إنساناً أو يغشه.
فالمؤمن الصحيح الإيمان لا يفعل هذا الشيء، فهو يتذكر أنه ذاهب ليقابل الله عز وجل، ولكي يعبده كأنه يراه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) وإذا كنت لا ترى الله عز وجل فاستشعر أنك تراه سبحانه فهو يراك سبحانه وتعالى.
وفي الدنيا حاسب نفسك وراقبها، قال سبحانه: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45] فلا يقع الإنسان في فاحشة من الفواحش لا فاحشة فعلية كالزنا ونحوها، ولا فاحشة قولية كالبذاءات ونحوها، فيكون المؤمن مبتعداً تماماً عما يغضب الله سبحانه وتعالى.
وكذلك تنهى عن المنكر، وكل ما ليس معروفاً فهو منكر ينكره القلب وينكره العقل السليم، وينكر على الإنسان أن يقع في القبيح أو المعاصي أو يقع في الأذى.
إذاً: كل ما كان منكراً فالصلاة نور في قلب الإنسان تمنعه أن يعمل ذلك؛ لكونه ذاهباً إلى الصلاة، ثم يدخل فيها فيتذكر ذنبه ويقول: يا ربي اغفر لي وتب علي، فيلوم نفسه، وقد أقسم الله عز وجل بالنفس اللوامة فقال: {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة:2] فلها فضيلة عند الله عندما تلوم صاحبها فيرجع ويتوب إلى الله سبحانه وتعالى.
هذه الصلاة تنهى الإنسان عن الفحشاء والمنكر، فيدخل في صلاته فيذكر الله فينجلي النور في القلب وينبلج ويجلي الصدأ الذي عليه.
فكلما ذكر الله سبحانه وتعالى انزاح عن قلبه شيء من صدى الذنوب إلى أن يخرج من صلاته سليم الصدر، مستريح البال، قرير العين، فيتوجه إلى عمله فلا يخون ولا يخدع ولا يغش، ويذكر نفسه: أنا الآن خرجت من الصلاة فكيف أعمل هذا وأنا مصلي وأقابل الله سبحانه؟ فاحذر فالله يراقبك.
فالصلاة تمنع الإنسان من المعاصي أو تقللها، فلعله يقع في ذنب ولكن يتدارك نفسه فيستغفر الله سبحانه وتعالى، ويندم على ذلك.
أما الذي يترك الصلاة فيسمع المؤذن يؤذن فإذا به يجلس في مكانه ويحاول أن يلتفت عن هذا الأذان، والأذان يقول له: حي على الصلاة، أي: تعال وهو ينشغل بالحديث مع غيره.
ولذلك احذر أن تسمع الأذان وتتكلم مع الناس، فأحياناً بعض الإخوة تجده يتكلم والمؤذن يؤذن، فلم يكن هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة، بل كانوا ينشغلون بالأذان، فأول ما يسمع الأذان حتى لو كان يقرأ القرآن يترك القرآن ويردد الأذان مع المؤذن فالله أكبر من كل شيء، والله أكبر من هذا الحديث الذي تتكلم مع صاحبك، اقطع علائقك بالدنيا واذهب إلى الله عز وجل وردد هذا الأذان، فإذا انتهى الأذان كان لك أجر عظيم من الله سبحانه وتعالى على الترديد.
إذاً: لا ننشغل عن الأذان وعن النداء، ولا نتكلم في الشارع أو نقف على باب المسجد إلى أن يصلي الناس السنة ثم ندخل عند إقامة الصلاة تهاوناً بصلاة السنة، ولعلنا إن صلينا هذه الصلاة فإنها تكون زيادة لنا من الخير، وتكون زيادة في قلوبنا من النور والقرب من الله سبحانه وتعالى، فالصلاة فرصة للإنسان يتقرب بها إلى الله.
وتجد البعض يدخل إلى المسجد فإذا أكمل صلاة السنة تكلم مع الذي بجانبه وليس هذا وقت كلام، إنما هو وقت دعاء، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد، فهذه أوقات عظيمة جداً وفوائد نفيسة وفرص فلا نضيعها، فندعو الله عز وجل في هذا الوقت الذي يستجاب فيه الدعاء، ندعو لأنفسنا وللمسلمين وندعو الله عز وجل أن يفرج الكروب والبلاء الذي امتلأت به ديار المسلمين.
فالصلاة الحقيقية التي يصليها الإنسان متقرباً بها إلى الله تنهاه عن الفحشاء والمنكر، وكم من إنسان يخرج من صلاته مثلما دخل فيها، إذا دخل في الصلاة سرح ونسي وانشغل بعمله، وصار يعد فلوسه، ويوسوس: سأذهب بعد الصلاة إلى فلان، وسأعمل كذا وقد ذكرنا أن الخواطر التي ترد على النفس والقلب إذا لم يجذبها الإنسان ولم يستطرد فيها لا شيء عليه قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] وكلنا يسرح وينسى.
ولكن الإنسان الذي يدخل في صلاته فلا يفهم شيئاً من الذي يقوله، وفي رأسه شيء آخر، فهذه ليست الصلاة التي أمر الله عز وجل بها، وأخبر أنها تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر.
وقد ورد في حديث رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان فتى من الأنصار يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا يدع شيئاً من الفواحش إلا أتاه) أي: كأن إسلامه جديد وأنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ثم يخرج يسرق، فشكوا للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك، والذي يظهر أنه لم يثبت عليه ذلك وإلا لقطعت يده.
(فلما شكوا للنبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الصلاة ستنهاه) يعني: إذا كان يصلي صلاة صحيحة فإنها ستنهاه صلاته، فلم يلبث أن تاب ورجع إلى الله سبحانه وتعالى.
إذاً: لما أحسن في الصلاة نفعته، وكم من إنسان قد يصلي ويسرق، وقد يدخل المسجد ليصلي من أجل أن يسرق الأحذية وهو خارج من بيت الله عز وجل.
والصلاة التي يتقرب بها إلى الله وتنهاه عن الفواحش وعن المنكرات صلاة يرجو بها الله عز وجل فيقبل على الله بقلبه فيها، ويتفكر ويتأمل فيما يقرأ.
فالفاتحة مثلاً خطاب ومحادثة بينك وبين الله، (فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] قال سبحانه: أثنى علي عبدي.
وإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] قال الله عز وجل: مجدني عبدي.
وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]، قال الله سبحانه: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل.
فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] قال الله: نعم.
سنعطيك ذلك) فتخرج من هذه الصلاة وقد هداك الله عز وجل الصراط المستقيم وأبعدك عن الفواحش والمنكرات.