ثم قال: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ} [العنكبوت:45] ولم يقل: صل؛ لأن إقامة الصلاة تعني: إحسانها وإعدادها على النحو الذي يرضي الله سبحانه وتعالى، فقوله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ) من الإقامة فأنت أقم صلاتك، وائمر الناس بها.
فيقيمها صلوات الله وسلامه عليه ويداوم عليها في أوقاتها بقراءتها وركوعها وسجودها وقعودها وجميع شروطها، ويأمر الناس بها ويصلي بهم، فكان يعلمهم الصلاة بالقول، ويعلمهم بالفعل، ويقول: (صلوا كما رأيتموني أصلي).
ويعلمهم بالإنكار عليهم إذا أخطئوا، فلما رأى المسيء صلاته أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة فقال: (إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ، ثم استقبل القبلة وكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم اقعد وافعل ذلك في صلاتك كلها)، فيعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم إتقان الصلاة، ويحذرهم من التهاون والتفريط فيها ويقول: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر).
ويأمرهم بإسباغ الوضوء، وأن الذي لا يسبغ الوضوء لا صلاة له فيقول: (ويل للأعقاب من النار)، أي: الذي يتوضأ ويتعجل الوضوء ولا يغسل رجليه جيداً.
وقد وجد رجلاً يصلي وعلى قدمه لمعة موجودة على ظاهر قدمه -أي: علامة على أن الماء لم يصل إلى هذا المكان- فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فيتوضأ ويعيد هذه الصلاة.
فالإنسان المؤمن يحرص على أن يصلي صلاة كاملة يتقرب بها إلى الله سبحانه على النحو الذي يريده منا.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس قوله: (أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟) يعني: هل يبقى من قذره ووسخه شيء؟ قالوا: (لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا) رواه الترمذي وصححه وهو حديث صحيح.
فيذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس التي تنظف قلب الإنسان وبدنه، تنظفه من ذنوبه الظاهرة والباطنة، وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (إذا قام العبد يصلي أتي بذنوبه فجعلت على منكبيه، فإذا قام في الصلاة تساقطت، وإذا ركع تساقطت، وإذا سجد تساقطت)، فهذه الصلاة عظيمة يتقرب بها الإنسان إلى الله عز وجل، وهي نور تنير للإنسان دنياه وأخراه، وتنير قبره، وهي صلة بين العبد وبين الله سبحانه وتعالى، يتقرب بها إلى الله فيريح الله قلبه بها، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر قال: (أرحنا بها يا بلال!) فكان يستريح بهذه الصلاة، بل قال: (وجعلت قرة عيني في الصلاة) وقرة العين: استقرارها وهدوء النفس، وراحة البال له.
ولذلك أمرنا الله عز وجل بها وقال: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45] فيبين لنا حكمة من حكم الصلاة وفائدة من فوائدها.
وإذا ضايقه أمر صلى لله عز وجل فيفرج الله عز وجل عنه هذا الكرب الذي نزل به، أو يريح قلب الإنسان فيصبر ويتصبر، قال تعالى: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمران:200]، فلذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم يأتسون بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإذا نزلت بأحدهم مصيبة فزع إلى الصلاة لعل الله عز وجل يخفف عنه وطأة هذا الشيء الذي نزل به.
فالصلاة للإنسان تريح قلبه، وتشعره أنه راجع إلى الله سبحانه وتعالى، فمهما حدث من مصائب الدنيا ففي النهاية كل الدنيا ستزول وهو سيرجع إلى الله عز وجل، فالأمر هين سهل طالما أنه حافظ على صلته بالله.