ثم ذكر الله عز وجل أقواماً آخرين قبل شعيب، وقبل إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام فقال: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ} [العنكبوت:38] أي: اذكروا عاداً واذكروا ثمود قبل ذلك فهم أقوام أهلكهم الله سبحانه وتعالى.
وفي قوله تعالى: ((وَثَمُودَ)) قراءتان: قراءة حفص عن عاصم وحمزة ويعقوب: (وثمود وقد تبين لكم).
وقراءة باقي القراء: (وثموداً وقد تبين لكم) بالألف وعليها تنوين.
قال تعالى: ((وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ)) يعني: أنتم تمرون على ديار عاد، وتمرون على ديار ثمود فالله تعالى يخاطب قريشاً وأهل الحجاز: لقد عرفتم ديار هؤلاء، وكيف أهلكهم الله سبحانه، وكيف أن ديارهم لم تسكن إلا قليلاً، فديار عاد في الجنوب بين اليمن والحجاز، وديار ثمود في الشمال بين الحجاز والشام.
قال سبحانه: ((وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ)) في الحجر وفي الأحقاف كيف أهلكهم الله سبحانه.
قال تعالى: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} [العنكبوت:38] أي: أن الشيطان يزين للإنسان الشيء على خلاف حقيقته، والله تبارك وتعالى يزين الشيء خلقة، فالله يخلق الأشياء جميلة وخلق الله عز وجل كله طيب جميل، والشيطان يأتي الإنسان فيزين له سوء عمله، فيعمل القبيح، فإذا بالشيطان يريه أن هذا الذي يصنعه أمر حسن.
والله يحرم على العبد النظر إلى الحرام؛ فإذا بالشيطان يزينه في عينه فيوسوس: انظر إليه فإنه حلو جميل، فينظر إلى ما حرم الله ويواقع ما حرم الله.
والشيطان يزين له المعصية ويزين له ما فيه غضب الله على أنه شيء يرضيه، فإذا بالعبد يواقعه فيقع في غضب ربه سبحانه، فزين لهم الشيطان أعمالهم القبيحة فجعلها في نظرهم حسنة.
قال تعالى: {فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} [العنكبوت:38] أي: عن طريق الله سبحانه.
ثم قال: {وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} [العنكبوت:38] أي: أن الإنسان الذي يتنكب الطريق وهو لا يعرف لعله يكون له عذر، أما الذي يعرف الطريق ويتنكب عنه فهذا لا عذر له.
فالله عز وجل أرسل الأنبياء يرشدون الناس: هذا طريق الله عز وجل، وهذا طريق الشيطان، واحذر أن تسلك هذا الطريق.
إذاً: هو مستبصر الآن ويرى الطريق الصحيح أمامه، كالذي يسير وأمامه طرق ولا يعرف أين أمشي، فيأتي إليه إنسان ويقول له: امش في هذا الطريق، فبعدما عرف الطريق يتركه ويمشي في غيره! فهذا مستبصر يعرف أين الحق ويمشي إلى الباطل وهو يعرف ذلك.
فالله سبحانه قد أنزل الكتب وأرسل الرسل لئلا يكون للناس حجة على الله سبحانه، فصد الشيطان هؤلاء عن سبيل الله، وكانوا يعرفونها، وكانوا يعرفون الحق وقد بان لهم بالبرهان طريق الله فكانوا مستبصرين.