الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
{وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [العنكبوت:25] لقد قد أخبرنا الله سبحانه وتعالى فيما سبق من الآيات كيف دعا إبراهيم عليه الصلاة والسلام قومه إلى عبادة الله، وإلى ترك ما يعبدون من أصنام وأوثان من دون الله سبحانه، وبين لهم أن هذه المعبودات لا تنفعهم، وأنها لا تملك لهم رزقاً.
وأمرهم أن يطلبوا الرزق عند الله الذي هو خالقهم سبحانه وتعالى، والذي هو رازقهم ويملك نفعهم وضرهم سبحانه، وأمرهم أن يعبدوه وأن يشكروا له، وأخبرهم أنهم راجعون إليه.
وأنهم إن كذبوا فليس هذا شيئاً جديداً على الرسل ولا من الأمم، فقد كذب قبلهم أقوام رسلهم فجاءهم العذاب من عند الله، وليس على الرسول إلا البلاغ المبين.
ثم أخبرهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن الله سبحانه وتعالى يبدأ الخلق وهو القادر على إعادته، وأنه يعذب من يشاء، وأنه يرحم من يشاء، وأنه إليه يقلبون ويرجعون وأنهم لن يعجزوا الله هرباً في الأرض ولا في السماء، وليس لهم من دونه ولي يتولى أمرهم، وليس لهم من دونه نصير قوي ينصرهم.
ولما أخبر بذلك كان جواب هؤلاء الأقوام عليه يدل على سفاهتهم فلم ينظروا فيما قال من حجج، وفيما هم فيه من باطل، وإنما تشاوروا كيف يقضون عليه وعلى دعوته، هل نقتله أم نحرقه؟ وأرادوا أشنع أنواع القتل لإبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام حتى يمنعوا أي أحد يريد أن يؤمن ويصدق بما جاء به، وحتى يمنعوا من يأتي بعده أن يقول كما يقول إبراهيم فقالوا: {اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ} [العنكبوت:24].
فلما أوقدوا له ناراً وألقوه فيها جاءت رحمة رب العالمين سبحانه: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69] وأرادوا به كيداً فجعلهم الله عز وجل الأخسرين والأسفلين، وجعل هذا الذي فعله مع إبراهيم آية من الآيات لقوم يؤمنون.
قال إبراهيم لقومه: {وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [العنكبوت:25] أي: أن عباد النيران وعباد الأصنام وعباد الشيطان يعبدون ذلك وتكون بينهم مودات في الحياة الدنيا على ما هم فيه من باطل، فتجد الكفار يميل بعضهم إلى بعض، ويرضى بعضهم عن بعض في الظاهر، أما القلوب ففيها الحقد، والحسد، والخوف من الناس، والغيرة من الغير.
فالله عز وجل جعل قلوبهم متفرقة وإن اجتمعوا على ضلالة واحدة، فيظهر بعضهم لبعض المودة، ثم يوم القيامة يظهر الله ما في صدورهم، يظهر ذلك في النار فيشتم بعضهم بعضاً، ويلعن بعضهم بعضاً، ويتبرأ بعضهم من بعض، يقول الله سبحانه: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [العنكبوت:25].