تفسير قوله تعالى: (قال ذلك بيني وبينك)

قال تعالى: {قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ} [القصص:28] يعني: هذا العقد، أو هذا العهد بيني وبينك.

قوله: {أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} [القصص:28] يعني: أياً من الأجلين، سواء ثمان سنوات ثم أنا اكتفيت فيكون لي ذلك، أو عشر سنوات وفيها زيادة فلك ذلك.

{أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ} [القصص:28] يعني: لا حرج علي في ذلك، وإنك لا تلزمني بأن أمكث الأجل الأكثر بحسب ما يشاء الله سبحانه وتعالى.

وقوله: {وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [القصص:28] فجعل الله سبحانه وتعالى وكيلاً على ما يقولان، يعني: على ما يعقدان فيما بينهما.

ومكث موسى هنالك عشر سنوات يرعى الأنعام، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (ما من نبي إلا ورعى الغنم).

والحكمة في ذلك: أن الأغنام كثيرة الشرود والنفور وتحتاج إلى من يرعاها ويحوطها ومن يقوم بأمرها، وفيها الضعيفة، فيحمل الضعيف منها، وفيها المريضة، فيطعم المريضة ويراعيها وينظر في شأنها، فراعي الغنم فيه رقة، وفيه رحمة، وفيه حنان، فما من نبي إلا ورعى الأغنام.

ولذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن التواضع والرقة في رعاة الأغنام، وأن الكبر والخيلاء في الفدادين الذين هم رعاة الإبل وأصحابها، فصاحب الإبل متعود على أن يركب فوق سنام الجمل، وينظر إلى الناس من عل، فيتعالى على الناس إلا من رحم الله عز وجل.

فلذلك لم يجعل ربنا سبحانه الأنبياء رعاة إبل، وقد تكون الإبل عند هذا الرجل الصالح تبعاً للغنم، عنده أغنام كثيرة والإبل قليل، أو كل ما كان عنده أغنام كما ذكر البعض من المفسرين، لكن الله عز وجل يعلم الأنبياء كيف يسوسون الناس بهذا الأمر، ولا يكون ذلك إلا برعيهم الغنم، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم وأنت؟ قال: (وأنا)، فقد رعى النبي صلى الله عليه وسلم الغنم لأهل مكة على قراريط.

فهذا من الله تأديب لأنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام، وتعليم لهم وتخليق لهم على الحلم وعلى الصبر؛ لأن الأغنام تحتاج لصبر كثير من صاحبها في رعايتها، وأنه لو غفل عن أغنامه، جاء الذئب وأخذ منها، أو عاث فيها فساداً، والأغنام فيها شيء من الحمق، لو أن إنساناً ساق غنمة من أغنام كثيرة، فجرت الغنمة وقفزت من أعلى الجبل على الأرض لتبعها القطيع كله وقفز من فوق الجبل، ومات القطيع كله.

ولذلك يحتاج راعي الغنم إلى أن يكون بصيراً برعاية الغنم، وإلى أن يعرف كيف يطعم هذه الأغنام، وكيف يكون معها، فالغنم تنفر بسرعة، ولو أن راعي الغنم أمسك عصاً وهي ذاهبة تشرب الماء؛ ليجعلها على الماء، لتركت الماء وهربت من خوفها وجبنها.

فالأغنام تحتاج إلى من يسوسها، فالله عز وجل لحكمته جعل الأنبياء يعتادون على ذلك حتى يكون في أخلاقهم الحلم والصبر، وسياسة الأمر، كيف يسوسون أمر هذه الأغنام فيعتادون على سياسة أمور الناس إلى طريق رب العالمين سبحانه وتعالى.

قال موسى {وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [القصص:28] فجعل الله هو الشاهد على ما فعل هو والرجل الصالح.

وهنا لم يذكر الله لنا من شهد هذا الزواج، وقد تزوج موسى ولم يكن حتى هذا الحين من الأنبياء، إلا في علم الله سبحانه وتعالى، ولكن الله عز وجل ذكر أنه تزوج من إحدى الفتاتين، قال: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص:27]، يا ترى هل هذا زواج على الإبهام؟ هذا تخيير في البداية، فلما انتقى موسى إحداهما، قالوا: إنها الصغرى منهما، فصارت معينة فزوجه منها بهذا الشرط الذي اشترطه: {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص:27].

ولم يذكر هنا شهوداً، واختلف العلماء في هل يشترط في النكاح الشهود أو يكتفى فيه بالإعلان؟ وقد ثبت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) إذاً: لا بد من الشهود، ولكن كما يقول الإمام مالك رحمه الله: إنه إذا انتشر الخبر بين الناس واستفاض فحضروا، كفى الإعلان عن الشهود، فإن لم يعلن فلا بد من الشهود، وإلا فلا يصح النكاح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015