جاء في حديث طويل عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فيه هذه الدابة، قال بعض العلماء: هي الجساسة التي جاءت في صحيح مسلم في حديث طويل عن فاطمة بنت قيس قالت: (إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس، فخرج المنادي يقول: الصلاة جامعة، الصلاة جامعة، فاجتمع الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأقيمت الصلاة فصلى بالناس صلى الله عليه وسلم، فلما قضى صلاته جلس على المنبر وهو يضحك عليه الصلاة والسلام، فقال: ليلزم كل إنسان مصلاه، ثم قال: أتدرون لِمَ جمعتكم قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة -يعني: ما جمعتكم حتى آتي لكم بموعظة أرهبكم بها أو أرغبكم في شيء- ولكن جمعتكم لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال).
يعني: كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك يحدث الصحابة عن الدجال وأخبر عن صفات الدجال وأخبرهم عما يكون من علامات قبل الساعة، فجاء تميم وحدث النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الشيء الذي حدث به أصحابه، فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يسمعوا ما قاله تميم ليزدادوا يقيناً فوق يقينهم رضوان الله تعالى عنهم.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (حدثني: أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهراً في البحر، ثم أرفئوا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، - يعني: القوارب التي تكون في جوف السفينة- فركبوا هذه الأقرب ودخلوا إلى الجزيرة، فلقيتهم دابة أهلب) قال العلماء: هذه هي الدابة التي تخرج يوماً من الأيام على الناس، إذاً: فهي مخلوقة موجودة كما أن المسيح الدجال مخلوق وموجود الآن، ويخرج على الناس يوماً.
يقول صلى الله عليه وسلم: (فلقيتهم دابة أهلب - يعني: كثيرة الشعر- لا يدرون ما قبله من دبره) يعني: لا يعرفون الوجه من الظهر لكثرة الشعر الذي عليه، ففزعوا من منظرها يقول: (قالوا: ويلك؟ ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة، قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق -يعني: اتركوني واذهبوا إلى هذا الذي ينتظركم في هذا الدير- قالوا: فلما سمت لنا رجلاً فرقنا منها أن تكون شيطانة، قال: فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط، خلقاً، وأشده وثاقاً -يعني: رأوا منظر إنسان ما رأوا مثله قبل هذا، منظره عظيم جداً، وكان طويلاً عريضاً مكتفاً تكتيفاً شديداً جداً- مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني من أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا الموج شهراً، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها، فدخلنا الجزيرة فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر لا يدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة -هذه هي الدابة التي جاء ذكرها في القرآن، والله أعلم- قال: قلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأقبلنا إليك سراعاً، وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانة، فقال: أخبروني عن نخل بيسان؟ -يسألهم عن مواضع في بلاد العرب والشام هل ما زالت موجودة، أو أنها انمحت؟ وكأن علامة خروج هذا الإنسان وفك قيده ما يسأل عنه في هذا الحديث- فقال: أخبروني عن نخل بيسان؟ قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قال: قلنا له: نعم، قال: أما إنه يوشك ألا يثمر، قال: أخبروني عن بحيرة طبرية؟ -بحيرة طبرية في فلسطين- قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قال: قلنا: هي كثيرة الماء، قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب، قال: أخبروني عن عين زغر -بحيرة هنالك-؟ قالوا: عن أي شيء تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قال: قلنا: نعم، هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها، قال: أخبروني عن نبي الأميين -صلوات الله وسلامه عليه، وهؤلاء كانوا نصارى، فيسألهم الآن عن النبي صلى الله عليه وسلم- ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب، قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم؟ قال: فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه، قال: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم، قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، فكان هذا سبب إسلام تميم الداري رضي الله عنه- قال الرجل: وإني مخبركم عني، قال: أنا المسيح)، وما قال: المسيح الدجال، ولكن قال: أنا المسيح، فهو المسيح الدجال ولكن ما ذكر عن نفسه أنه الكذاب الدجال؛ ولذلك لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك ضحك وأخبر أنه الدجال، قال: (وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة -يعني: مدة مكثه على الأرض أربعين ليلة) ولكن منها اليوم كيوم، واليوم كشهر، واليوم كسنة- (غير مكة وطيبة فهما محرمتان عليّ كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة منهما استقبلني ملك بيده سيف صلت يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها).
ففيه: أن المسيح الدجال لا يقدر على دخول مكة والمدينة، قال الذي روى الحديث: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم طعن بمخصرته في المنبر وقال: هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة، ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟ فقال الناس: نعم أخبرتنا، فازدادوا يقيناً بما قال صلى الله عليه وسلم، قال: فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه، وعن المدينة ومكة أن المسيح الدجال لا يقدر أن يدخلها، ألا إنه في بحر الشام أو في بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو) يعني: أن المسيح الدجال سيخرج من ناحية المشرق، والنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ويخبر عن شرق المدينة الذي يخرج منه المسيح الدجال، قالت فاطمة بنت قيس: (فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم).
فالغرض: أنهم ذكروا الجساسة التي رأوها مع الدجال وهي هذه الدابة التي تخرج يوماً من الأيام تكلم الناس بأن الناس كانوا بآيات الله عز وجل لا يوقنون.
نسأل الله العفو والعافية والتثبيت في الدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.