الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة النمل: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل:62 - 63].
في هذه الآيات -كما ذكرنا قبل- يخبر الله سبحانه وتعالى فيها عن آياته، وعما خلق سبحانه وتعالى من خلقه، مما يراه كل ذي عينين، وكل من له عقل يفهم ويعرف أن هذه الأشياء لم تخلق سدى، وإنما خلقها الله عز وجل ليتفكر الخلق فيها، ففي خلق السماوات والأرض وما يأكله الإنسان آيات من آيات الله سبحانه.
فهنا يذكر الله عز وجل عباده بقوله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62]، أي: من الذي يجيبكم إذا اضطررتم، أو أصابكم الضر ولم تجدوا أحداً يجيركم أو يغيثكم؟ حينئذ تلجئون إلى الله، فتقولون: يا رب! وتجأرون إليه بالدعاء، فيستجيب لكم، يقول الله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62]، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: المضطر: هو ذو الضرورة المجهود، أي: الإنسان الذي حاقت به مصيبة من المصائب، ووجد نفسه مضطراً يكاد يهلك ويضيع، فيجأر بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى وهو مجهود مكدود متعب لا يجد ملجأً له إلا عند الله سبحانه فيسأله حاجته، ويقول السدي: هو الذي لا حول له ولا قوة، أي: لا حيلة له ولا قدرة، بل وقف عاجزاً لا يقدر أن يدفع عن نفسه، فيقول: يا رب! ويلجأ إلى الله فيعطيه.
ويقول أبو جعفر وأبو عثمان النيسابوري: هو المفلس، وكله داخل تحت هذا المعنى، فإذا صار الإنسان معدماً لا شيء معه، محتاجاً إلى طعام وشراب ونفقه، والكل يطالبونه بما عليه لهم، وهو لا يجده، فيقول: يا رب! ويطلب من الله سبحانه، ويحسن اللجوء إليه، فالله يعطيه، يقول ذو النون: هو الذي قطع العلائق عما دون الله، أي: وجد أنه لا يوجد أي رابطة بينه وبين أحد، فلا أحد ينفعه، فصار وحيداً لا وسيلة ولا علائق بينه وبين أحد، فإذا به يلجأ إلى الله، فيعطيه الله سبحانه وتعالى.
ويقول سهل بن عبد الله: هو الذي إذا رفع يديه إلى الله داعياً لم تكن له وسيلة من طاعة قدمها، أي: وجد نفسه مضطراً لم يكن له قبل ذلك ما ينفعه، فقد كان عاصياً لله سبحانه، وفجأة اضطر ووجد نفسه محتاجاً إلى من يغيثه، وانقطع عنه الخلق، واستحيا من نفسه أنه لم يكن له طاعة قبل ذلك، فرفع يديه إلى الله خجلاً من نفسه، وقال: يا رب! فإذا بالله يعطي هذا المضطر الذي لجأ إليه سبحانه.
جاء رجل إلى مالك بن دينار فقال: أسألك بالله -يقسم عليه- أن تدعو لي لأني مضطر، وكان مالك بن دينار أحد الصالحين رضي الله عنه -فقال له: طالما أنت مضطر فاسأل الله سبحانه- فإنه الذي يجيب المضطر إذا دعاه.
فالإنسان يدعو ربه ويكثر من الدعاء، والله سبحانه يستحيي أن يرفع العبد يديه إليه سبحانه مستغيثاً به ثم يردهما صفراً بدون شيء، فإن الله أكرم من ذلك سبحانه.