عندما ينزل البلاء تقع فتنة شديدة، والناس ينظرون لهذا المبتلى على أنه قد فعل شيئاً، وينسون أن الله عز وجل يبتلي عباده الصالحين.
وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، ويبتلى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد له من البلاء، وإن كان في دينه رقة قلل له من البلاء).
فيبتلى الرجل على قدر دينه، فلا تقل عن المبتلى إنه كان يعمل شيئاً ما، فقد يكون هذا المبتلى من الصالحين، وله عند الله درجة عالية لن يبلغها عمله، فيبتليه الله عز وجل حتى يرتفع إلى هذه الدرجة.
إذاً فلا تشمت بإنسان مبتلى، وإذا مررت به فقل في نفسك: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى كثيراً من خلقه، وفضلني على كثير ممن خلق من عباده تفضيلاً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها تتمثل بأبيات وتقول: إذا ما الدهر جر على أناس كلاكله أناخ بآخرينا فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا فلا تشمت بأحد أبداً، فقد يأتي البلاء على إنسان وتشمت به والبلاء ينتظرك بعده، فلا تشمت بإنسان نزل به البلاء، والله سبحانه وتعالى يختبر عباده بما يشاء.
قال صلى الله عليه وسلم: (فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين) فبدأ هذا الإنسان يتشكك في الأمر، وإلا فهو يرى أيوب أمامه، وهو نبي من أنبياء الله عليه الصلاة والسلام، ومن الصابرين، وهو معصوم لا يكذب ولا يقع في خطيئة، فكونه يسيء الظن فيه هكذا هذا أمر صعب.
قال: (تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين، فقال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به، فلما راحا إلى أيوب عليه الصلاة والسلام لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب عليه الصلاة والسلام: لا أدري ما تقولان غير أن الله تعالى يعلم أني كنت أمر بالرجلين يتنازعان فيذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في حق)، يعني: كان يعمل هذا وهو عمل صالح عظيم، فلا يسيء أحد الظن أبداً في نبي من أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام.
ولما قال له الرجل ذلك قال: لا أدري ما تقولان؟ ولكن أعرف من حال نفسي أني كنت أمر بالرجلين يتنازعان، أي: يتشاتمان ويتنازعان في الشيء، وكل منهما يحلف أنه حقه، ولا يمكن أن يكون ملكهما معاً، فعندما أرجع إلى بيتي أكفر عن المسيء في ذلك، ولا يلزمه أن يفعل ذلك عليه الصلاة والسلام.