روى البخاري في الأدب والدارقطني عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الشعر بمنزلة الكلام: حسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام).
فالشعر موهبة من الله عز وجل للإنسان، وهذا الشعر يكون حكمه بحسب الموضوع الذي قيل فيه هذا الشعر، فإن كان الموضوع موضوعاً جيداً ومن المواضيع النافعة فالشعر حسن فيها، وأن كان الموضوع موضوعاً تافهاً فالشعر فيه مثله، فالشعر بمنزلة الكلام: حسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام.
والنبي صلى الله عليه وسلم قد استمع للشعر، قال أحد الصحابة -وهو الشريد السلمي -: ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: (هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟)، وأمية بن أبي الصلت شاعر جاهلي، وكان يقول شعراً في غاية الجودة والجمال، ويكاد شعره ينطق بالتوحيد، ومع ذلك لم يؤمن، فكفر قلبه وآمن شعره، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يسمع هذا الشعر الذي فيه التوحيد، قال: (هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟ قال: قلت: نعم، قال: هيه) (هيه) يعني: قل وأسمعني، قال: (فأنشدته بيتاً، فقال: هيه، ثم أنشدته بيتاً، فقال: هيه، حتى أنشدته مائة بيت)، فهذا الصحابي كان يحفظ الشعر، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، بل استمع هذا الشعر منه.
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم) أي: كاد ولم يسلم، فشعره مليء بالتوحيد ولكنه لم يسلم.
وكثير من الصحابة كانوا يحفظون الشعر، وكان كثير منهم يقول الشعر، ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، بل بعضهم قال الشعر بحضرته صلى الله عليه وسلم، وما من أحد من آل بيته صلى الله عليه وسلم إلا وقال الشعر كعمه العباس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وغيرهما من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، بل ومن نساء آل البيت من قالت الشعر، فالشعر ليس قبيحاً إلا أن يكون الموضوع الذي يتكلم فيه الشاعر موضوعاً قبيحاً.
وقد ورد أن العباس مدح النبي صلى الله عليه وسلم بأبيات شعر، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: لقد قلت فيك شعراً، ويريد أن يسمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: من قبلها طبت في الظلال وفي مستودع حيث يخصف الورق ثم هبطت البلاد لا بشر أنت ولا مضغة ولا علق بل نطفة تركب السفين وقد ألجم نسراً وأهله الغرق تنقل من صالب إلى رحم إذا مضى عالم بدا طبق فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يفضض الله فاك).
وهذا الشعر قاله العباس في النبي صلى الله عليه وسلم، ومعناه: (من قبلها) أي: من قبل ما تجيء في هذه الدنيا (طبت في الظلال) يعني: طبت في الجنة.
(وفي مستودع حيث يخصف الورق) يقصد قصة آدم وحواء لما طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، والمعنى أنت كنت في صلب آدم وهو في الجنة.
قال: (ثم هبطت البلاد)، إلى آخر ما ذكره للنبي صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً جاء عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال شعراً، فمن قوله رضي الله عنه لما مات النبي صلى الله عليه وسلم: فقدنا الوحي إذ ولّيت عنا وودعنا من الله الكلام سوى ما قد تركت لنا رهيناً توارثه القراطيس الكرام فقد أورثتنا ميراث صدق عليك به التحية والسلام وكان للنبي صلوات الله وسلامه عليه شعراء مثل حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن زهير وغيرهم ممن كانوا يقولون الشعر، ويمدحون النبي صلى الله عليه وسلم، ويمدحون دين الله سبحانه، ويدافعون عن الدين، ويهجون الكفار المجرمين.
وكان حسان يدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم لما طلب منه أن يرد عليهم حذره أن يسب الأنساب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم له نسب فيهم، فإذا سب آباءهم فكأنه يسب النبي صلى الله عليه وسلم، فحذره فقال: لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين، وهذه من البراعة التي كان عليها حسان رضي الله عنه، حيث يدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم ويهجو المشركين، ويسل النبي صلى الله عليه وسلم منهم من غير أن يتعرض لنسبه بشيء صلى الله عليه وسلم.
وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه حسان وكعب بن مالك وابن رواحة لما سمعوا هذه الآيات المكية، وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا نبي الله! أنزل الله تعالى هذه الآية وهو تعالى يعلم أنا شعراء، فقال: (اقرؤوا ما بعدها: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الشعراء:227] حتى بلغ: {وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [الشعراء:227])، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهم: (انتصروا ولا تقولوا إلا حقاً، ولا تذكروا الآباء والأمهات) يعني: انتصروا لهذا الدين واهجوا المشركين ولكن لا تسبوا الآباء والأمهات.
ومن شعر حسان رضي الله عنه أنه هجا أبا سفيان قبل إسلامه عندما هجا أبو سفيان النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له حسان: هجوت محمداً فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء فإن أبي ووالدتي وعرضي لعرض محمد منكم وقاء أتشتمه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء لساني صارم لا عيب فيه وبحري لا تكدره الدلاء فـ حسان رضي الله تبارك وتعالى عنه يهجو هؤلاء ويقول للنبي صلى الله عليه وسلم: أفديك أنا وأبي وأمي، وكلنا نفدي النبي صلوات الله وسلامه عليه.