لما ذكر الله عز وجل هؤلاء الذين تتنزل عليهم الشياطين من الأفاكين والعرافين والسحرة والكهنة قال سبحانه: {يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ * وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء:223 - 224] (يتبعهم) يعني: يسير وراءهم، وقراءة الجمهور: {يَتَّبِعُهُمُ} [الشعراء:224] بتشديد التاء، وقرأها نافع: (يتَبْعهم) بغير تشديد، والمعنى أنه يمشي وراءهم كل غاوٍ، والغاوي هو الإنسان الذي يمشي في هواه، ولذلك قال ربنا سبحانه مقسماً بالنجم: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم:1 - 2]، فمن غوى كأنه حصل له شيء في هواه فاتبعه بعيداً عن الصواب.
فهؤلاء الغاوون الذين يتبعون الشاعر فكيف يكون حال الشاعر؟! فإذا قيل: إن فلاناً يتبعه كل آثم، فكيف بالمتبوع؟! فأشد الغواة الشعراء.
{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء:224]، لماذا؟ قال سبحان معجِّباً من حال أكثرهم: {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} [الشعراء:225]، ألم تر أن هؤلاء الشعراء يسيرون هائمين، فالشاعر يسير ولا يدري أين يسير، يقال: فلان هائم على وجهه في الأرض، أي: يمشي مثل الأعمى، فكذلك الشعراء يهيمون في كل واد، فأي فكرة تخطر في باله فإنه يتكلم فيها بأي شيء.
وهذا العموم مخصوص، ولذلك قال الله بعد هذا: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الشعراء:227]، فالله عز وجل خص من هؤلاء الغاوين أهل الإيمان، فهم ليسوا غاوين، بل هم أهل تقوى كما سيذكر صفاتهم بعد ذلك.