قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء:131]، فكررها مرة ثانية، فقد ذكرها في البداية وكررها مرة ثانية هنا، فانظروا إلى قوله: {أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء:124]، فحثهم على تقوى الله سبحانه وتعالى بأسلوب فيه لطف، ثم أمر: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء:131]، ثم بين أنه لا يطلب منهم أجرة في الدنيا وإنما الأجر على رب العالمين، ثم بين لهم الذنوب التي يستحقون بها عقوبة رب العالمين، ثم أمرهم مرة ثالثة بتقوى الله سبحانه، فقال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء:131]، ثم أمرهم مرة رابعة: {وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ} [الشعراء:132].
فهذه أربع مرات يحثهم ويأمرهم بتقوى الله سبحانه وتعالى.
وتقوى الله: أن تجعل حجاباً بينك وبين عقوبة رب العالمين سبحانه، فلا تقع في المعاصي، بل تجعل الطاعات لك رحمة يوم القيامة تنجيك من غضب الله سبحانه، فأمرهم وحثهم على أن يتقوا غضب الله عليهم، فهم جبارون ولكن الله إذا أخذهم فأخذه شديد أليم.
وأمرهم هود عليه السلام فقال: {وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ} [الشعراء:132]، ففي الأمر الأول ذكرهم بذنوبهم، ثم ذكرهم بنعم الله سبحانه، فهل هذه هي المكافأة التي تكافئون بها ربكم سبحانه أن أعطاكم هذه النعم فتكونون جبارين مع الخلق، ولا تراعون في الناس إلاً ولا ذمة؟! فقوله تعالى: {وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ} [الشعراء:132] أي: اتقوا الله الذي أعطاكم ما تعرفونه أكثر من غيركم.
ثم قال تعالى: {أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} [الشعراء:133] عطاء من الله سبحانه، و {وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الشعراء:134]، إذاً: فقد أعطاكم الأنعام من الإبل والبقر والغنم، وسخرها لكم، وأعطاكم البنين.
والجنات: هي البساتين العظيمة والكثيرة الممتلئة بالثمار، والعرب يمرون على هذه الأماكن فلا يجدون فيها بساتين ولا ثماراً، فقد كانت في يوم من الأيام فيها البساتين وفيها الثمار كما ذكر الله عز وجل لنا هنا، وسترجع مرة أخرى هذه البساتين والثمار في هذه الأماكن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ستعود بلاد العرب مروجاً وأنهاراً)، فقوله صلى الله عليه وسلم: (ستعود) معناها: كانت موجودة قبل ذلك وسترجع مرة ثانية، والعلماء الذين نظروا إلى كتاب الله قالوا: فعلاً في يوم من الأيام كانت هذه الأرض فيها البساتين وفيها الأنهار وفيها الثمار، وقد عرف ذلك خبراء الجيولوجيا وعلم الأرض عن طريق الحفريات، وهؤلاء العلماء أنفسهم يقولون: إنها سترجع مرة ثانية في هذه الأماكن، فستجري العيون والأنهار وسترجع فيها الثمار.
وقال تعالى: {وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الشعراء:134] كلمة عيون في القرآن كله تقرأ بضم العين وبكسر العين: عُيون وعِيون، مثل جُيوب وجِيوب، بُيوت وبِيوت، فـ ابن كثير وابن ذكوان عن ابن عامر وشعبة عن عاصم وحمزة والكسائي يقرءون: ((وَعِيُونٍ))، وباقي القراء ومنهم حفص عن عاصم يقرءون: {وَعُيُونٍ} [الشعراء:134].
قال تعالى: {وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الشعراء:134] أي: عيون مياه، والجنات: البساتين.