قال الله تعالى: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء:129]، إذاً: بناؤهم ليسوا هم في حاجة إليه، وإنما للفخر وإظهار الجبروت على غيرهم، فالله يملي لهم ويقول: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف:183]، فأملى لعاد، وذهب إليهم رسولهم عليه الصلاة والسلام هود يدعوهم إلى الله سبحانه ويقول لهم: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء:129]، والمصانع لها معانٍ وكلها مقصودة هنا، فمن معاني المصانع: الحصون المشيدة، أي: يبنون حصوناً ويشيدونها، ظناً منهم أنهم سيخلدون بهذه المصانع، ومن معاني المصانع أيضاً: القصور المشيدة، أي: تتخذون حصوناً وقصوراً، وقالوا أيضاً: من معاني المصانع: أماكن جمع الماء، أي: يحفرون في الأرض آباراً عظيمة للمياه، فالله عز وجل يخبر أنهم يفعلون هذه الأشياء وكأنهم سيخلدون إلى الأبد.
فقوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء:129] أي: ترجون بذلك الخلود والعيش دهوراً طويلة، ومن الحماقة التي نسمع عنها في هذا العصر الحديث هو محاولة بعض الجهلة المغفلين إطالة عمر الإنسان، ويجرون في ذلك أبحاثاً ويزعمون أنهم قد وصلوا في بحثهم إلى الشيء الذي يطيل عمر الإنسان أو يقصره، ونسوا أن الله هو الذي كتب على العباد أن آجال الأمة من كذا إلى كذا، ومستحيل أن تزيد هذه الآجال التي حددها الله عز وجل، ففي العصور القديمة مد الله لهم في أعمارهم، وجاءت هذه الأمة فجعل الله أعمارها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين) يعني: غالب أعمار هذه الأمة على ذلك ما بين الستين إلى السبعين، والقليلون من يجاوزن ذلك إلى المائة أو إلى المائة والعشرين، وقوم عاد اتخذوا هذه المصانع يرجون بها الخلود، فيقول لهم نبيهم: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ} [الشعراء:129] مؤملين أن تخلدوا ولا تموتوا أبداً، وقوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء:129] أي: كأنكم تخلدون، وهذا استفهام توبيخي، يعني: تريدون أن تخلدوا، ولن يكون ذلك.