عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ.

وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَصْحَابِهِمْ، وَقَدِ اخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ هَاهُنَا قَوْلًا غَرِيبًا جَدًا وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ عِنْدَهُ وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أَيْ وَإِذَا حَضَرَ قِسْمَةَ مَالِ الْوَصِيَّةِ أولو قرابة الميت فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ إِذَا حَضَرُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً هَذَا مَضْمُونُ مَا حَاوَلَهُ بَعْدَ طُولِ الْعِبَارَةِ وَالتَّكْرَارِ، وفيه نظر، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (?) . وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ هي قِسْمَةُ الْمِيرَاثِ، وَهَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَالْمَعْنَى على هذا لا على ما سلكه ابن جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، بَلِ الْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا حَضَرَ هَؤُلَاءِ الْفُقَرَاءُ مِنَ الْقَرَابَةِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ قِسْمَةَ مَالٍ جَزِيلٍ، فَإِنَّ أَنْفُسَهُمْ تَتُوقُ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ إِذَا رَأَوْا هذا يَأْخُذُ وَهَذَا يَأْخُذُ، وَهُمْ يَائِسُونَ لَا شَيْءَ يعطونه، فأمر الله تعالى وهو الرؤوف الرَّحِيمُ أَنْ يُرْضَخَ لَهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْوَسَطِ يَكُونُ بِرًّا بِهِمْ وَصَدَقَةً عَلَيْهِمْ، وَإِحْسَانًا إِلَيْهِمْ وَجَبْرًا لِكَسْرِهِمْ. كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ [الْأَنْعَامِ: 141] وَذَمَّ الَّذِينَ يَنْقُلُونَ الْمَالَ خِفْيَةً خَشْيَةَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِمُ الْمَحَاوِيجُ وَذَوُو الْفَاقَةِ. كَمَا أَخْبَرَ عَنِ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ [الْقَلَمِ: 17] أَيْ بِلَيْلٍ. وَقَالَ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ [القلم 23- 24] فَ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها [مُحَمَّدٍ: 10] فَمَنْ جَحَدَ حَقَّ اللَّهِ عَلَيْهِ عَاقَبَهُ فِي أَعَزِّ مَا يَمْلِكُهُ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «مَا خَالَطَتِ الصَّدَقَةُ مَالًا إِلَّا أَفْسَدَتْهُ» أَيْ مَنْعُهَا يكون سبب محق ذلك المال بالكلية.

وقوله تعالى: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ الْآيَةَ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هَذَا فِي الرَّجُلِ يَحْضُرُهُ الْمَوْتُ، فَيَسْمَعُهُ رجل يُوصِي بِوَصِيَّةٍ تَضُرُّ بِوَرَثَتِهِ، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الذي يسمعه أن يتقي الله ويوقفه ويسدده للصواب. فينظر لِوَرَثَتِهِ كَمَا كَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصْنَعَ بِوَرَثَتِهِ إِذَا خَشِيَ عَلَيْهِمُ الضَّيْعَةَ، وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَاصٍّ يَعُودُهُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةً، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ «لَا» . قَالَ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ «لَا» . قَالَ: فَالثُّلُثُ؟

قال: «الثلث، والثلث كثر» . ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّكَ إِنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» (?) وَفِي الصحيح عن ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: لَوْ أَنَّ النَّاسَ غَضُّوا مِنَ الثُّلُثِ إِلَى الرُّبُعِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كثير» (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015