قال الله عز وجل: هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ اسْتَدَلُّوا به علة أَنَّ الشَّخْصَ قَدْ تَتَقَلَّبُ بِهِ الْأَحْوَالُ، فَيَكُونُ فِي حَالٍ أَقْرَبَ إِلَى الْكُفْرِ، وَفِي حَالٍ أَقْرَبَ إِلَى الْإِيمَانِ، لِقَوْلِهِ:

هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ. ثم قال تعالى: يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ يَعْنِي أَنَّهُمْ يَقُولُونَ الْقَوْلَ وَلَا يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ هَذَا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ فَإِنَّهُمْ يَتَحَقَّقُونَ أَنَّ جُنْدًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ جَاءُوا مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ يَتَحَرَّقُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِسَبَبِ مَا أُصِيبَ مِنْ سَرَاتِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ. وَهُمْ أَضْعَافُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ لَا مَحَالَةَ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ ثم قَالَ تَعَالَى: الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا مَا قُتِلُوا أَيْ لَوْ سَمِعُوا مِنْ مَشُورَتِنَا عَلَيْهِمْ فِي الْقُعُودِ وَعَدَمِ الْخُرُوجِ مَا قُتِلُوا مَعَ مَنْ قُتِلَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أَيْ إِنْ كَانَ الْقُعُودُ يَسْلَمُ بِهِ الشَّخْصُ مِنَ الْقَتْلِ وَالْمَوْتِ، فَيَنْبَغِي أَنَّكُمْ لَا تَمُوتُونَ، وَالْمَوْتُ لَا بُدَّ آتٍ إِلَيْكُمْ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ، فَادْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. قَالَ مُجَاهِدٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ وأصحابه.

[سورة آل عمران (3) : الآيات 169 الى 175]

وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)

فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الشُّهَدَاءِ بِأَنَّهُمْ وَإِنْ قُتِلُوا فِي هَذِهِ الدَّارِ، فَإِنَّ أَرْوَاحَهُمْ حَيَّةٌ مَرْزُوقَةٌ فِي دَارِ الْقَرَارِ. قَالَ محمد بن جرير «1» : حدثنا محمد بن مرزوق، حدثنا عمرو بْنُ يُونُسَ عَنْ عِكْرِمَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ، قَالَ: لَا أَدْرِي أَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَ، وَعَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ الْجَعْفَرِيُّ، فَخَرَجَ أُولَئِكَ النَّفَرُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَوْا غَارًا مُشْرِفًا عَلَى الْمَاءِ فَقَعَدُوا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَيُّكُمْ يُبَلِّغُ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ هَذَا الْمَاءِ؟

فَقَالَ- أُرَاهُ ابْنَ مِلْحَانَ الْأَنْصَارِيَّ-: أَنَا أُبَلِّغُ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى حَيًّا مِنْهُمْ فَاخْتَبَأَ أَمَامَ الْبُيُوتِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَهْلَ بِئْرِ مَعُونَةَ، إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَآمِنُوا بالله ورسوله، فخرج إليه رجل من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015