ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ الآية، ينهى تبارك وتعالى هذه الأمة أن يكونوا كالأمم الماضين في افتراقهم وَاخْتِلَافِهِمْ وَتَرْكِهِمُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، مَعَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (?) : حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، حَدَّثَنِي أَزْهَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَوْزَنِيُّ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لُحَيٍّ، قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ، قام حين صلى الظُّهْرِ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الْكَتَابَيْنِ افْتَرَقُوا فِي دِينِهِمْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هذه الأمة ستفترق على ثلاثة وَسَبْعِينَ مِلَّةً- يَعْنِي الْأَهْوَاءَ- كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةٌ- وَهِيَ الْجَمَاعَةُ- وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ تُجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ بِصَاحِبِهِ، لَا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلَا مَفْصِلٌ إِلَّا دَخَلَهُ» وَاللَّهِ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ، لَئِنْ لَمْ تَقُومُوا بِمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَغَيْرُكُمْ مِنَ الناس أحرى أن لا يَقُومَ بِهِ، وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الحجاج الشامي بِهِ، وَقَدْ وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حِينَ تَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ الْبِدْعَةِ وَالْفُرْقَةِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَهَذَا الْوَصْفُ يَعُمُّ كُلَّ كَافِرٍ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ يَعْنِي الْجَنَّةَ مَاكِثُونَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا، وَقَدْ قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ ربيع بن صُبَيْحٍ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، قال: رأى أبو أمامة رؤوسا (?) منصوبة على درج مسجد دِمَشْقَ، فَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ، كِلَابُ النَّارِ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ خَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوهُ، ثُمَّ قَرَأَ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قُلْتُ لِأَبِي أُمَامَةَ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟: قَالَ: لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا- حَتَّى عَدَّ سَبْعًا- مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ (?) ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي غَالِبٍ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ بِنَحْوِهِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ حَدِيثًا مُطَوَّلًا غَرِيبًا عَجِيبًا جِدًّا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ أَيْ هَذِهِ آيَاتُ اللَّهِ وَحُجَجُهُ وَبَيِّنَاتُهُ نَتْلُوهَا