مَا قَالَ رَبُّنَا تَعَالَى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الآية. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ قَالَ: هُمُ النَّبِيُّونَ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَالَ وَكِيعٌ: هُمُ الْمُسْلِمُونَ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: هُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ، وَالتَّفْسِيرُ الْمُتَقَدِّمُ عَنِ ابْنِ عباس رضي الله عنهما أَعَمُّ وَأَشْمَلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ قَرَأَ الْجُمْهُورُ (غَيْرِ) بِالْجَرِّ عَلَى النَّعْتِ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقُرِئَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَرُوِيَتْ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ (?) وَذُو الْحَالِ الضَّمِيرُ فِي عَلَيْهِمْ وَالْعَامِلُ أَنْعَمْتَ وَالْمَعْنَى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ مِمَّنْ تَقَدَّمَ وَصْفُهُمْ وَنَعْتُهُمْ وَهُمْ أَهْلُ الْهِدَايَةِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَالطَّاعَةِ لِلَّهِ وَرُسُلِهِ وَامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَتَرْكِ نَوَاهِيهِ وَزَوَاجِرِهِ غَيْرِ صراط المغضوب عليهم الَّذِينَ فَسَدَتْ إِرَادَتُهُمْ فَعَلِمُوا الْحَقَّ وَعَدَلُوا عَنْهُ وَلَا صِرَاطِ الضَّالِّينَ وَهُمُ الَّذِينَ فَقَدُوا الْعِلْمَ فَهُمْ هَائِمُونَ فِي الضَّلَالَةِ لَا يَهْتَدُونَ إِلَى الحق. وأكد الكلام بلا لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ ثَمَّ مَسْلَكَيْنِ فَاسِدَيْنِ وَهُمَا طَرِيقَتَا الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ النُّحَاةِ أَنَّ غَيْرَ هَاهُنَا اسْتِثْنَائِيَّةٌ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا مُنْقَطِعًا لِاسْتِثْنَائِهِمْ مِنَ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ وَلَيْسُوا مِنْهُمْ، وما أوردناه أولى لقول الشاعر: [الوافر]
كَأَنَّكَ مِنْ جِمَالِ بَنِي أُقَيْشٍ ... يُقَعْقِعُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ بِشَنِّ (?)
أَيْ كَأَنَّكَ جَمَلٌ مِنْ جِمَالِ بَنِي أُقَيْشٍ فَحَذَفَ الْمَوْصُوفَ وَاكْتَفَى بِالصِّفَةِ، وَهَكَذَا. غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، أَيْ غَيْرِ صِرَاطِ الْمَغْضُوبِ عليهم. واكتفى بِالْمُضَافِ إِلَيْهِ عَنْ ذِكْرِ الْمُضَافِ، وَقَدْ دَلَّ سِيَاقُ الْكَلَامِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أن لا في قوله تعالى وَلَا الضَّالِّينَ زَائِدَةٌ وَأَنْ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ عِنْدَهُ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ وَاسْتَشْهَدَ بِبَيْتِ الْعَجَّاجِ: [الرجز]
فِي بِئْرٍ لَا حُورٍ سَرَى وَمَا شَعَرَ»