جَازَ عَفْوُهَا، فَإِنْ شَحَّتْ وَضَنَّتْ عَفَا وَلِيُّهَا جاز عَفْوُهُ. وَهَذَا يَقْتَضِي صِحَّةَ عَفْوِ الْوَلِيِّ وَإِنْ كَانَتْ رَشِيدَةً، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ شُرَيْحٍ، لَكِنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الشَّعْبِيُّ، فَرَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَصَارَ إِلَى أَنَّهُ الزَّوْجُ وَكَانَ يُبَاهِلُ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» : قَالَ بَعْضُهُمْ: خُوطِبَ بِهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، حَدَّثَنِي يونس، أنبأنا ابْنُ وَهْبٍ، سَمِعْتُ ابْنَ جُرَيْجٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى قَالَ: أَقْرَبُهُمَا لِلتَّقْوَى الَّذِي يَعْفُو، وَكَذَا رُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِ. وقال مجاهد والنخعي والضحاك ومقاتل بن حيان والربيع بن أنس والثوري: الفضل- هاهنا- أن تعفوا الْمَرْأَةُ عَنْ شَطْرِهَا أَوْ إِتْمَامُ الرَّجُلِ الصَّدَاقَ لَهَا، وَلِهَذَا قَالَ وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ أَيِ الْإِحْسَانَ، قَالَهُ سَعِيدٌ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَأَبُوُ وَائِلٍ الْمَعْرُوفُ: يَعْنِي لَا تُهْمِلُوهُ بَلِ اسْتَعْمَلُوهُ بَيْنَكُمْ، وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ، حَدَّثَنَا محمد بن أحمد بن إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بن مكرم، حدثنا يونس بن بكير، حدثنا عبد الله بن الوليد الرصافي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ عَضُوضٌ، يَعَضُّ الْمُؤْمِنُ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ وَيَنْسَى الْفَضْلَ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ شِرَارٌ يُبَايِعُونَ كُلَّ مُضْطَرٍّ» وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَكَ خَيْرٌ فَعُدْ بِهِ عَلَى أَخِيكَ وَلَا تَزِدْهُ هَلَاكًا إِلَى هَلَاكِهِ، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَحْزُنُهُ وَلَا يَحْرِمُهُ. وَقَالَ سُفْيَانُ: عَنْ أَبِي هَارُونَ، قَالَ: رَأَيْتُ عَوْنَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فِي مَجْلِسِ الْقُرَظِيِّ، فَكَانَ عَوْنٌ يُحَدِّثُنَا وَلِحْيَتُهُ تُرَشُّ مِنَ الْبُكَاءِ، وَيَقُولُ صَحِبْتُ الْأَغْنِيَاءَ فَكُنْتُ مِنْ أَكْثَرِهِمْ هَمًّا حِينَ رَأَيْتُهُمْ أَحْسَنَ ثِيَابًا، وَأَطْيَبَ رِيحًا، وأحسن مركبا، وَجَالَسْتُ الْفُقَرَاءَ فَاسْتَرَحْتُ بِهِمْ، وَقَالَ وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِذَا أَتَاهُ السَّائِلُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَدْعُ لَهُ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِكُمْ وَأَحْوَالِكُمْ، وَسَيَجْزِي كل عامل بعمله.
حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)
يأمر تَعَالَى بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا وَحِفْظِ حُدُودِهَا وَأَدَائِهَا فِي أَوْقَاتِهَا، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَلِ أفضل؟ قال: «الصلاة في وَقْتِهَا» . قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» ، قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ولو استزدته لزادني.