قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ (?) : وَالصَّوَابُ قَوْلُ من قال إن مَعْنَى ذَلِكَ فَاجْعَلْ صَلَاتَكَ كُلَّهَا لِرَبِّكَ خَالِصًا دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْآلِهَةِ، وَكَذَلِكَ نَحْرَكَ اجْعَلْهُ لَهُ دُونَ الْأَوْثَانِ شُكْرًا لَهُ عَلَى مَا أَعْطَاكَ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالْخَيْرِ الَّذِي لَا كِفَاءَ لَهُ وَخَصَّكَ بِهِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ، وَقَدْ سَبَقَهُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَعَطَاءٌ. وقوله تعالى: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ أَيْ إِنَّ مُبْغِضَكَ يَا مُحَمَّدُ وَمُبْغِضَ مَا جِئْتَ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْحَقِّ وَالْبُرْهَانِ السَّاطِعِ وَالنُّورِ الْمُبِينِ هُوَ الْأَبْتَرُ الْأَقَلُّ الْأَذَلُّ الْمُنْقَطِعُ ذِكْرُهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ:
نَزَلَتْ فِي الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَقَالَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ (?) عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ قَالَ: كَانَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ إِذَا ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: دَعُوهُ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَبْتَرُ لَا عَقِبَ لَهُ، فَإِذَا هَلَكَ انْقَطَعَ ذِكْرُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ السُّورَةَ، وَقَالَ شِمْرُ بْنُ عَطِيَّةَ: نَزَلَتْ فِي عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعْيطٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَعِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، وَقَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ يحيى الحساني، حدثنا ابن أَبِي عَدِيٍّ عَنْ دَاوُدَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ مَكَّةَ فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: أَنْتَ سَيِّدُهُمْ أَلَّا ترى إلى هذا الصبي الْمُنْبَتِرَ مِنْ قَوْمِهِ؟ يَزْعُمُ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنَّا وَنَحْنُ أَهْلُ الْحَجِيجِ وَأَهْلُ السِّدَانَةِ وَأَهْلُ السِّقَايَةِ فَقَالَ: أَنْتُمْ خَيْرٌ مِنْهُ، قَالَ فَنَزَلَتْ إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ وهكذا رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَهُوَ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَعَنْ عَطَاءٍ قال: نَزَلَتْ فِي أَبِي لَهَبٍ، وَذَلِكَ حِينَ مَاتَ ابن لرسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَهَبَ أَبُو لهب إلى المشركين فقال بُتِرَ مُحَمَّدٌ اللَّيْلَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ، وَعَنْهُ: إِنَّ شانِئَكَ يَعْنِي عَدُّوَّكَ، وَهَذَا يَعُمُّ جَمِيعَ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ مِمَّنْ ذُكِرَ وَغَيْرِهِمْ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْأَبْتَرُ الْفَرْدُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانُوا إِذَا مَاتَ ذُكُورُ الرَّجُلِ قَالُوا بُتِرَ، فَلَمَّا مَاتَ أَبْنَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا بُتِرَ مُحَمَّدٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْأَبْتَرَ الَّذِي إِذَا مَاتَ انْقَطَعَ ذِكْرُهُ، فَتَوَهَّمُوا لجهلهم أنه إذا مات بنوه انقطع ذِكْرُهُ، وَحَاشَا وَكَلَّا بَلْ قَدْ أَبْقَى اللَّهُ ذكره على رؤوس الْأَشْهَادِ، وَأَوْجَبَ شَرْعَهُ عَلَى رِقَابِ الْعِبَادِ، مُسْتَمِرًّا على دوام الآباد، إلى يوم المحشر وَالْمَعَادِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ التَّنَادِّ. آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْكَوْثَرِ، وَلِلَّهِ الحمد والمنة.
تفسير
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (?) عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ بِهَذِهِ السُّورَةِ وَبِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ