ثُمَّ أَرْشَدَهُمْ إِلَى شُكْرِ هَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ فقال: لْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ
أَيْ فَلْيُوَحِّدُوهُ بِالْعِبَادَةِ كَمَا جَعَلَ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا وَبَيْتًا مُحَرَّمًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [النَّمْلِ: 91] وَقَوْلُهُ تعالى:
الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ أَيْ هُوَ رَبُّ الْبَيْتِ، وَهُوَ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ أَيْ تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِالْأَمْنِ وَالرُّخْصِ فَلْيُفْرِدُوهُ بِالْعِبَادَةِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا يَعْبُدُوا مِنْ دُونِهِ صَنَمًا وَلَا نِدًّا وَلَا وَثَنًا، وَلِهَذَا مَنِ اسْتَجَابَ لِهَذَا الْأَمْرِ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ بَيْنَ أَمْنِ الدُّنْيَا وَأَمْنِ الْآخِرَةِ، وَمَنْ عَصَاهُ سَلَبَهُمَا مِنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ [النَّحْلِ: 112- 113] .
وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الْعَدَنِيُّ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ لَيْثٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم يقول: «ويل لكم قُرَيْشٍ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ» ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْمُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنَا عِيسَى يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ وَيَحْكُمُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَكُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَكُمْ مِنْ خَوْفٍ» هَكَذَا رَأَيْتُهُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَصَوَابُهُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ أُمِّ سَلَمَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَلَعَلَّهُ وَقَعَ غَلَطٌ فِي النُّسْخَةِ أَوْ فِي أَصْلِ الرِّوَايَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
آخر تفسير سورة لإيلاف قريش ولله الحمد والمنة.
تفسير
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4)
الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (7)
يَقُولُ تَعَالَى: أَرَأَيْتَ يَا مُحَمَّدُ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ وَهُوَ الْمَعَادُ وَالْجَزَاءُ وَالثَّوَابُ فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ أَيْ هُوَ الَّذِي يَقْهَرُ الْيَتِيمَ وَيَظْلِمُهُ حَقَّهُ وَلَا يُطْعِمُهُ وَلَا يُحْسِنُ إِلَيْهِ وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ [الْفَجْرِ: 17- 18] يَعْنِي الْفَقِيرَ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ يَقُومُ بأوده وكفايته، ثم قال