عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مَنَ الْمُسْلِمِينَ.
فَقَالَ: «خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ» وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً مُسْتَمِرَّةَ التَّعْيِينِ لَمَا حَصَلَ لهم العلم بعينها في كل سنة، إذ لو كانت تنتقل لما علموا تعيينها إِلَّا ذَلِكَ الْعَامِ فَقَطْ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ إِنَّمَا خَرَجَ لِيُعْلِمَهُمْ بِهَا تِلْكَ السَّنَةَ فَقَطْ وَقَوْلُهُ: «فَتَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ» فِيهِ اسْتِئْنَاسٌ لِمَا يُقَالُ إِنَّ الْمُمَارَاةَ تَقْطَعُ الفائدة والعلم النافع كما جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ» (?) وَقَوْلُهُ «فَرُفِعَتْ» أَيْ رُفِعَ عِلْمُ تعيينها لَكُمْ لَا أَنَّهَا رُفِعَتْ بِالْكُلِّيَّةِ مِنَ الْوُجُودِ كَمَا يَقُولُهُ جَهَلَةُ الشِّيعَةِ لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ بَعْدَ هَذَا: «فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ» .
وَقَوْلُهُ: «وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ» يَعْنِي عَدَمُ تَعْيِينِهَا لَكُمْ فَإِنَّهَا إِذَا كَانَتْ مُبْهَمَةً اجْتَهَدْ طُلَّابُهَا فِي ابْتِغَائِهَا فِي جَمِيعِ مَحَالِّ رَجَائِهَا، فَكَانَ أَكْثَرَ لِلْعِبَادَةِ بِخِلَافِ مَا إِذَا عَلِمُوا عَيْنَهَا فَإِنَّهَا كَانَتِ الْهِمَمُ تَتَقَاصَرُ عَلَى قِيَامِهَا فَقَطْ، وَإِنَّمَا اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ إِبْهَامَهَا لِتَعُمَّ الْعِبَادَةُ جَمِيعَ الشَّهْرِ فِي ابْتِغَائِهَا، وَيَكُونُ الِاجْتِهَادُ في العشر الأخير أَكْثَرَ، وَلِهَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ (?) ، أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ. وَلَهُمَا عَنِ ابْنُ عُمَرَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ (?) أَخْرَجَاهُ، وَلِمُسْلِمٍ عَنْهَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهَا وَشَدَّ الْمِئْزَرَ: وَقِيلَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ اعْتِزَالُ النِّسَاءِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً عَنِ الْأَمْرَيْنِ لِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (?) : حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَقِيَ عَشْرٌ مِنْ رَمَضَانَ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَاعْتَزَلَ نِسَاءَهُ انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَدْ حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ في جميع ليالي العشر تَطَلُّبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عَلَى السَّوَاءِ لَا يَتَرَجَّحُ مِنْهَا لَيْلَةٌ عَلَى أُخْرَى رَأَيْتُهُ فِي شَرْحِ الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَالْمُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنَ الدُّعَاءِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَفِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَكْثَرُ، وَفِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْهُ ثُمَّ فِي أَوْتَارِهِ أَكْثَرُ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنَّ يُكْثِرَ مِنْ هَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي.
لِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (?) : حَدَّثَنَا يَزِيدُ هُوَ ابْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ إياس