عُسْرٌ يُسْرَيْنِ» وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْعُسْرَ مُعَرَّفٌ في الحالتين فَهُوَ مُفْرَدٌ وَالْيُسْرُ مُنَكَّرٌ، فَتَعَدَّدَ وَلِهَذَا قَالَ: «لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ» يَعْنِي قَوْلَهُ: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً فَالْعُسْرُ الْأَوَّلُ عَيْنُ الثَّانِي وَالْيُسْرُ تَعَدَّدَ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا خَارِجَةُ عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «نزلت الْمَعُونَةَ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى قَدْرِ الْمَؤُونَةِ، وَنَزَّلَ الصَّبْرَ عَلَى قَدْرِ الْمُصِيبَةِ» وَمِمَّا يُرْوَى عَنِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:

صَبْرًا جَمِيلًا مَا أَقْرَبَ الْفَرَجَا ... مَنْ رَاقَبَ اللَّهَ فِي الْأُمُورِ نَجَا

مَنْ صَدَقَ اللَّهَ لَمْ يَنَلْهُ أَذًى ... وَمَنْ رَجَاهُ يَكُونُ حَيْثُ رَجَا

وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ:

إِذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى الْيَأْسِ الْقُلُوبُ ... وَضَاقَ لِمَا به الصدر الرحيب

وأوطأت المكاره واطمأنت ... وأرسلت فِي أَمَاكِنِهَا الْخُطُوبُ

وَلَمْ تَرَ لِانْكِشَافِ الضُّرِّ وَجْهًا ... وَلَا أَغْنَى بِحِيلَتِهِ الْأَرِيبُ

أَتَاكَ عَلَى قُنُوطٍ مِنْكَ غَوْثٌ ... يَمُنُّ بِهِ اللَّطِيفُ الْمُسْتَجِيبُ

وَكُلُّ الْحَادِثَاتِ إِذَا تَنَاهَتْ ... فَمَوْصُولٌ بِهَا الْفَرَجُ الْقَرِيبُ

وَقَالَ آخَرُ:

وَلَرُبَّ نَازِلَةٍ يَضِيقُ بِهَا الْفَتَى ... ذَرْعًا وَعِنْدَ اللَّهِ مِنْهَا الْمَخْرَجُ

كَمُلَتْ فَلَمَّا اسْتَحْكَمَتْ حَلْقَاتُهَا ... فُرِجَتْ وَكَانَ يَظُنُّهَا لَا تفرج

وقوله تعالى: فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ أَيْ إِذَا فَرَغْتَ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَأَشْغَالِهَا وَقَطَعْتَ علائقها فانصب إلى الْعِبَادَةِ وَقُمْ إِلَيْهَا نَشِيطًا فَارِغَ الْبَالِ وَأَخْلِصْ لِرَبِّكَ النِّيَّةَ وَالرَّغْبَةَ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ على صحته: «لا صلاة بحضرة الطعام وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ» (?) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَحَضَرَ الْعَشَاءُ فابدؤوا بِالْعَشَاءِ» (?) قَالَ مُجَاهِدٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: إِذَا فَرَغْتَ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَقُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَانْصَبْ لِرَبِّكَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَانْصَبْ فِي حَاجَتِكَ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: إِذَا فَرَغْتَ مِنَ الْفَرَائِضِ فَانْصَبْ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ، وَعَنِ ابْنِ عِيَاضٍ نَحْوُهُ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَانْصَبْ وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015