بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (1) فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (2) وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (3) فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (4)
فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (5) عُذْراً أَوْ نُذْراً (6) إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ (9)
وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَما أَدْراكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15)
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ سَهْلٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقَدٍ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هريرة وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً قال: الملائكة، وَرُوِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ وَأَبِي الضُّحَى وَمُجَاهِدٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ وَالسُّدِّيُّ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ مِثْلُ ذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ الرُّسُلُ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهَا الْمَلَائِكَةُ، وهكذا قال أبو صالح في العاصفات والناشرات والفارقات والملقيات أَنَّهَا الْمَلَائِكَةُ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ قال: سألت ابن مسعود عن المرسلات عُرْفًا قَالَ: الرِّيحُ.
وَكَذَا قَالَ فِي فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً وَالنَّاشِراتِ نَشْراً إِنَّهَا الرِّيحُ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَأَبُو صَالِحٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَتَوَقَّفَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً هَلْ هِيَ الْمَلَائِكَةُ إِذَا أُرْسِلَتْ بِالْعُرْفِ أَوْ كَعُرْفِ الْفَرَسِ يَتْبَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، أَوْ هِيَ الرِّيَاحُ إِذَا هَبَّتْ شَيْئًا فَشَيْئًا؟ وَقَطَعَ بأن العاصفات عصفا الرِّيَاحُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمَنْ تَابَعَهُ، وممن قال ذلك في العاصفات عصفا أَيْضًا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالسُّدِّيُّ وَتَوَقَّفَ في الناشرات نَشْرًا هَلْ هِيَ الْمَلَائِكَةُ أَوِ الرِّيحُ كَمَا تَقَدَّمَ؟ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ أَنَّ النَّاشِرَاتِ نَشْرًا هي الْمَطَرُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرْسَلَاتِ هِيَ الرِّيَاحُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ [الْحِجْرِ: 22] وَقَالَ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ [الْأَعْرَافِ: 57] وَهَكَذَا الْعَاصِفَاتُ هِيَ الرِّيَاحُ، يقال عصفت الرياح إِذَا هَبَّتْ بِتَصْوِيتٍ، وَكَذَا النَّاشِرَاتُ هِيَ الرِّيَاحُ الَّتِي تَنْشُرُ السَّحَابَ فِي آفَاقِ السَّمَاءِ كَمَا يشاء الرب عز وجل.
وقوله تعالى: فَالْفارِقاتِ فَرْقاً فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْراً يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ. قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمَسْرُوقٌ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَالسُّدِّيُّ وَالثَّوْرِيُّ، وَلَا خِلَافَ هَاهُنَا فَإِنَّهَا تَنْزِلَ بِأَمْرِ اللَّهِ عَلَى الرُّسُلِ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْهُدَى وَالْغَيِّ، وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَتُلْقِي إِلَى الرُّسُلِ وَحْيًا فِيهِ إِعْذَارٌ إِلَى الْخَلْقِ وَإِنْذَارٌ لَهُمْ عقاب الله إن خالفوا أمره.
وقوله تعالى: إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ هَذَا هُوَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَقْسَامِ أَيْ مَا وُعِدْتُمْ بِهِ مِنْ قِيَامِ السَّاعَةِ وَالنَّفْخِ فِي الصُّوَرِ وَبَعْثِ الْأَجْسَادِ وَجَمْعِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَمُجَازَاةِ كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، إِنَّ هَذَا كُلَّهُ لَواقِعٌ أَيْ لَكَائِنٌ لَا