العزرمي يقول: الرحمن الرحيم قال: الرحمن بجميع الْخَلْقِ، الرَّحِيمُ قَالَ: بِالْمُؤْمِنِينَ: قَالُوا وَلِهَذَا قَالَ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ [الْفُرْقَانِ: 59] وَقَالَ الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [طه: 5] فَذَكَرَ الِاسْتِوَاءَ بِاسْمِهِ الرَّحْمَنِ لِيَعُمَّ جَمِيعَ خَلْقِهِ بِرَحْمَتِهِ وَقَالَ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً فَخَصَّهُمْ بِاسْمِهِ الرَّحِيمِ. قَالُوا: فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّحْمَنَ أَشَدُّ مُبَالَغَةً فِي الرَّحْمَةِ لِعُمُومِهَا فِي الدَّارَيْنِ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ وَالرَّحِيمُ خَاصَّةٌ بِالْمُؤْمِنِينَ، لَكِنْ جَاءَ فِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ:
رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا. وَاسْمُهُ تَعَالَى الرَّحْمَنُ خَاصٌّ بِهِ لَمْ يُسَمَّ بِهِ غَيْرُهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [الْإِسْرَاءِ: 110] وقال تعالى: وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف:
45] وَلَمَّا تَجَهْرَمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابِ وَتَسَمَّى بِرَحْمَنِ الْيَمَامَةِ كَسَاهُ اللَّهُ جِلْبَابَ الْكَذِبِ وَشُهِرَ بِهِ فَلَا يُقَالُ إِلَّا مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ فَصَارَ يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي الْكَذِبِ بَيْنَ أَهْلِ الْحَضَرِ مِنْ أَهْلِ الْمَدَرِ وَأَهْلِ الْوَبَرِ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَالْأَعْرَابِ.
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الرَّحِيمَ أَشَدُّ مُبَالَغَةً مِنَ الرَّحْمَنِ لِأَنَّهُ أَكَّدَ بِهِ وَالتَّأْكِيدُ لَا يَكُونُ إِلَّا أَقْوَى مِنَ الْمُؤَكَّدِ، وَالْجَوَابُ أن هذا ليس من باب التأكيد وإنما هو من باب النَّعْتِ وَلَا يَلْزَمُ فِيهِ مَا ذَكَرُوهُ، وَعَلَى هذا فيكون تقديم اسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ بِهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ وَوَصْفَهُ أَوَّلًا بِالرَّحْمَنِ الَّذِي مَنَعَ مِنَ التَّسْمِيَةِ بِهِ لِغَيْرِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [الْإِسْرَاءِ: 110] وَإِنَّمَا تَجَهْرَمَ (?) مُسَيْلِمَةُ الْيَمَامَةِ فِي التَّسَمِّي بِهِ وَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الضَّلَالَةِ وَأَمَّا الرَّحِيمُ فَإِنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ بِهِ غَيْرَهُ حَيْثُ قَالَ: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [التَّوْبَةِ: 128] كَمَا وَصَفَ غَيْرَهُ بِذَلِكَ مِنْ أسمائه كما قال تعالى إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً [الْإِنْسَانِ: 2] وَالْحَاصِلُ أَنَّ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى مَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ وَمِنْهَا مَا لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ كَاسْمِ اللَّهِ والرحمن والخالق والرازق وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلِهَذَا بَدَأَ بِاسْمِ اللَّهِ وَوَصَفَهُ بِالرَّحْمَنِ لِأَنَّهُ أَخَصُّ وَأَعْرَفُ مِنَ الرَّحِيمِ، لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ أَوَّلًا إِنَّمَا تَكُونُ بِأَشْرَفِ الْأَسْمَاءِ فَلِهَذَا ابْتَدَأَ بِالْأَخَصِّ فَالْأَخَصِّ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ الرَّحْمَنُ أَشَدُّ مُبَالَغَةً فَهَلَّا اكْتُفِيَ بِهِ عَنِ الرَّحِيمِ؟ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمَّا تَسَمَّى غَيْرُهُ تَعَالَى بِالرَّحْمَنِ جيء بلفظ الرحيم ليقطع الوهم بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، كَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ (?) عَنْ عطاء. ووجهه