وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ [الْبَقَرَةِ: 94- 96] ، وَقَدْ أَسْلَفْنَا الْكَلَامَ هُنَاكَ، وَبَيَّنَّا أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَدْعُوا على الضلال مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَوْ خُصُومِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَتْ مُبَاهَلَةُ النَّصَارَى فِي آلِ عِمْرَانَ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ [آلِ عِمْرَانَ: 61] وَمُبَاهَلَةُ الْمُشْرِكِينَ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا [مَرْيَمَ: 75] .
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «1» : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَزِيدَ الرَّقِّيُّ، أَبُو يَزِيدَ، حَدَّثَنَا فُرَاتٌ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مَالِكٍ الْجَزَرِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ: إِنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدًا عِنْدَ الْكَعْبَةِ لَآتِيَنَّهُ حَتَّى أَطَأَ عَلَى عُنُقِهِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ فَعَلَ لَأَخَذَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عِيَانًا وَلَوْ أَنَّ الْيَهُودَ تَمَنَّوُا الْمَوْتَ لَمَاتُوا وَرَأَوْا مَقَاعِدَهُمْ مِنَ النَّارِ، وَلَوْ خَرَجَ الَّذِينَ يُبَاهِلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَرَجَعُوا لَا يَجِدُونَ أهلا ولا مالا» «2» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ وَتَبِعَهُ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ عَنْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عبيد اللَّهِ الْحَلَبِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ بِهِ أَتَمَّ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ النِّسَاءِ أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النِّسَاءِ: 78] وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حديث معاذ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهُذَلِيِّ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا «مَثَلُ الَّذِي يَفِرُّ مِنَ الْمَوْتِ كَمَثَلِ الثَّعْلَبِ تَطْلُبُهُ الْأَرْضُ بِدَيْنٍ، فَجَاءَ يَسْعَى حَتَّى إِذَا أَعْيَا وَانْبَهَرَ دَخَلَ جُحْرَهُ فَقَالَتْ لَهُ الْأَرْضُ يَا ثَعْلَبُ دَيْنِي، فَخَرَجَ لَهُ حِصَاصٌ «3» فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى تَقَطَّعَتْ عُنُقُهُ فمات» .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)
إِنَّمَا سُمِّيَتِ الْجُمُعَةُ جُمُعَةً لِأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْجَمْعِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْإِسْلَامِ يَجْتَمِعُونَ فِيهِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً بِالْمَعَابِدِ الْكِبَارِ، وَفِيهِ كَمُلَ جَمِيعُ الْخَلَائِقِ فَإِنَّهُ الْيَوْمُ السَّادِسُ مِنَ السِّتَّةِ التي خلق الله فيها السموات وَالْأَرْضَ، وَفِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ منها وفيه تقوم الساعة،