أَنَسٍ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ في قوله تعالى: وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا يعني مما أوتوا المهاجرين، قَالَ وَتَكَلَّمَ فِي أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ بَعْضُ من تكلم في الأنصار فعاتبهم الله في ذلك فقال تعالى: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «إِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ تَرَكُوا الْأَمْوَالَ وَالْأَوْلَادَ وَخَرَجُوا إِلَيْكُمْ» فَقَالُوا أَمْوَالُنَا بَيْنَنَا قَطَائِعُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَ غَيْرُ ذَلِكَ» قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «هُمْ قَوْمٌ لَا يَعْرِفُونَ الْعَمَلَ فَتَكْفُونَهُمْ وَتُقَاسِمُونَهُمُ الثَّمَرَ» فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. وقوله تعالى:

وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ يَعْنِي حَاجَةً أَيْ يُقَدِّمُونَ الْمَحَاوِيجَ عَلَى حَاجَةِ أنفسهم ويبدؤون بِالنَّاسِ قَبَلَهُمْ فِي حَالِ احْتِيَاجِهِمْ إِلَى ذَلِكَ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ جَهْدُ الْمُقِلِّ» (?) وَهَذَا الْمَقَامُ أَعْلَى مِنْ حال الذين وصف الله تعالى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ [الْإِنْسَانِ: 8] وَقَوْلُهُ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ [البقرة: 177] فإن هؤلاء تصدقوا وَهُمْ يُحِبُّونَ مَا تَصَدَّقُوا بِهِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ لَهُمْ حَاجَةٌ إِلَيْهِ وَلَا ضَرُورَةَ بِهِ، وَهَؤُلَاءِ آثَرُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مَعَ خَصَاصَتِهِمْ وَحَاجَتِهِمْ إِلَى مَا أَنْفَقُوهُ، وَمِنْ هَذَا الْمَقَامِ تَصَدَّقَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«ما أبقيت لأهلك؟» فقال رضي الله عنه: أبقيت لهم الله ورسوله (?) ، وهكذا الْمَاءُ الَّذِي عُرِضَ عَلَى عِكْرِمَةَ وَأَصْحَابِهِ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ فَكُلٌّ مِنْهُمْ يَأْمُرُ بِدَفْعِهِ إِلَى صَاحِبِهِ، وَهُوَ جَرِيحٌ مُثْقَلٌ أَحْوَجُ مَا يَكُونُ إِلَى الْمَاءِ، فَرَدَّهُ الْآخَرُ إِلَى الثَّالِثِ فَمَا وَصَلَ إِلَى الثَّالِثِ حَتَّى مَاتُوا عَنْ آخِرِهِمْ وَلَمْ يَشْرَبْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ الْأَشْجَعِيُّ عَنْ أَبِي هريرة قال: أتى رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَنِي الْجُهْدُ، فَأَرْسَلَ إِلَى نِسَائِهِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُنَّ شَيْئًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا رَجُلٌ يُضَيِّفُ هذه اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ» فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَهَبَ إِلَى أهله فقال لامرأته:

هذا ضَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَدَّخِرِيهِ شَيْئًا، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا عِنْدِي إِلَّا قُوتُ الصِّبْيَةِ. قَالَ: فَإِذَا أَرَادَ الصِّبْيَةُ العشاء فنوميهم، وتعالي فأطفئ السِّرَاجَ وَنَطْوِي بُطُونَنَا اللَّيْلَةَ، فَفَعَلَتْ ثُمَّ غَدَا الرَّجُلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَقَدْ عَجِبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ- أَوْ ضَحِكَ- مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانَةٍ» وَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015