تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ قَالَ: يجيئون يوم القيامة معا كالأصبعين.
وقوله تعالى: وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ أَيْ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «إِنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ فِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ فَاطَّلَعَ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ اطِّلَاعَةً فَقَالَ: مَاذَا تُرِيدُونَ؟! فَقَالُوا: نُحِبُّ أَنْ تَرُدَّنَا إِلَى الدَّارِ الدُّنْيَا فَنُقَاتِلَ فِيكَ فَنَقْتُلَ كَمَا قُتِلْنَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فقال: إني قد قضيت أنهم إليها لا يرجعون» «1» .
وقوله تعالى: لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ أي لهم عند الله أَجْرٌ جَزِيلٌ وَنُورٌ عَظِيمٌ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَتَفَاوَتُونَ بِحَسَبِ مَا كَانُوا فِي الدَّارِ الدُّنْيَا مِنَ الْأَعْمَالِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «2» ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ: «الشُّهَدَاءُ أَرْبَعَةٌ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ جَيِّدُ الْإِيمَانِ لقي العدو فصدق الله فقتل فذاك الَّذِي يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهِ هَكَذَا» وَرَفَعَ رَأْسَهُ حَتَّى سَقَطَتْ قَلَنْسُوَةُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَ قَلَنْسُوَةُ عُمَرَ «وَالثَّانِي مُؤْمِنٌ لَقِيَ الْعَدُوَّ فَكَأَنَّمَا يَضْرِبُ ظَهْرَهُ بِشَوْكِ الطَّلْحِ جَاءَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَقَتَلَهُ فَذَاكَ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثُ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ خَلَطَ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا لَقِيَ الْعَدُوَّ فَصَدَقَ اللَّهَ حَتَّى قُتِلَ فَذَاكَ فِي الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ، وَالرَّابِعُ رَجُلٌ مؤمن من أَسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ إِسْرَافًا كَثِيرًا لَقِيَ الْعَدُوَّ فَصَدَقَ اللَّهَ حَتَّى قُتِلَ فَذَاكَ فِي الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ» وَهَكَذَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَقَالَ هَذَا إِسْنَادٌ مِصْرِيٌّ صَالِحٌ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَقَالَ: حسن غريب.
وقوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ لَمَّا ذَكَرَ السُّعَدَاءَ وَمَآلَهُمْ عَطَفَ بِذِكْرِ الْأَشْقِيَاءِ وبين حالهم.
اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (20) سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)
يَقُولُ تَعَالَى مُوهِنًا أَمْرَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمُحَقِّرًا لَهَا: أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ أَيْ إِنَّمَا حَاصِلُ أَمْرِهَا عِنْدَ أَهْلِهَا هَذَا، كما قال تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ