صِيَامِهِمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمْيَةِ» (?) . الْحَدِيثَ، وَلَكِنْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ (?) هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ: حَدَّثَنِي ابن البرقي حدثني ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ التَّمَّارِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ قَوْمٌ تُحَقِّرُونَ أَعْمَالَكُمْ مَعَ أَعْمَالِهِمْ» قُلْنَا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قُرَيْشٌ؟

قَالَ: «لَا وَلَكِنْ أَهْلُ الْيَمَنِ لِأَنَّهُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا» وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: «هُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ أَلَا إِنَّ الْإِيمَانَ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةَ يَمَانِيَةٌ» فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُمْ خَيْرٌ مِنَّا؟ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ جَبَلٌ مِنْ ذَهَبٍ يُنْفِقُهُ مَا أَدَّى مُدَّ أَحَدِكُمْ وَلَا نَصِيفَهُ» ثُمَّ جَمَعَ أَصَابِعَهُ وَمَدَّ خِنْصَرَهُ وَقَالَ: «أَلَا إِنَّ هَذَا فَضْلُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّاسِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» .

فَهَذَا السِّيَاقُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْحُدَيْبِيَةِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَحْفُوظًا كَمَا تَقَدَّمَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أُنْزِلَ قَبْلَ الْفَتْحِ إِخْبَارًا عَمَّا بَعْدَهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ مِنْ أَوَائِلِ مَا نزل وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [المزمل: 20] الآية. فَهِيَ بِشَارَةٌ بِمَا يُسْتَقْبَلُ وَهَكَذَا هَذِهِ وَاللَّهُ أعلم.

وقوله تعالى: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى يَعْنِي الْمُنْفِقِينَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَبَعْدَهُ، كُلُّهُمْ لَهُمْ ثَوَابٌ عَلَى مَا عَمِلُوا، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ تَفَاوُتٌ فِي تُفَاضُلِ الجزاء كما قال تعالى: لَا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً [النِّسَاءِ: 95] وَهَكَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ» (?) وَإِنَّمَا نَبَّهَ بِهَذَا لِئَلَّا يُهْدَرَ جَانِبُ الْآخَرِ بِمَدْحِ الْأَوَّلِ دُونَ الْآخَرِ، فَيَتَوَهَّمُ مُتَوَهِّمٌ ذَمَّهُ، فَلِهَذَا عَطَفَ بِمَدْحِ الْآخَرِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ مَعَ تَفْضِيلِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ تعالى: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ أَيْ فَلِخِبْرَتِهِ فَاوَتَ بَيْنَ ثَوَابِ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَا ذاك إِلَّا لِعِلْمِهِ بِقَصْدِ الْأَوَّلِ وَإِخْلَاصِهِ التَّامِّ وَإِنْفَاقِهِ فِي حَالِ الْجُهْدِ وَالْقِلَّةِ وَالضِّيقِ، وَفِي الْحَدِيثِ «سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفٍ» (?) وَلَا شَكَّ عِنْدَ أَهْلِ الْإِيمَانِ أَنَّ الصِّدِّيقَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَهُ الْحَظُّ الْأَوْفَرُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنَّهُ سَيِّدُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ سائر أمم الأنبياء، فإنه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015