يَقُولُونَ: لَقَدْ خِبْنَا وَخَسِرْنَا إِنْ سَلَّمْنَا كُلُّنَا قِيَادَنَا لِوَاحِدٍ مِنَّا. ثُمَّ تَعَجَّبُوا مِنْ إِلْقَاءِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ خَاصَّةً مِنْ دُونِهِمْ ثُمَّ رَمَوْهُ بِالْكَذِبِ فَقَالُوا: بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ أَيْ مُتَجَاوِزٌ فِي حَدِّ الْكَذِبِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ وَهَذَا تَهْدِيدٌ لَهُمْ شَدِيدٌ وَوَعِيدٌ أَكِيدٌ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ أَيِ اخْتِبَارًا لَهُمْ، أَخْرَجَ اللَّهُ لَهُمْ نَاقَةً عَظِيمَةً عُشَرَاءَ، مِنْ صَخْرَةٍ صَمَّاءَ طِبْقَ مَا سَأَلُوا، لِتَكُونَ حُجَّةَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي تَصْدِيقِ صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيمَا جاءهم به، ثم قال تعالى آمِرًا لِعَبْدِهِ وَرَسُولِهِ صَالِحٍ: فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ أَيِ انتظر ما يؤول إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ، وَاصْبِرْ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ الْعَاقِبَةَ لَكَ، وَالنَّصْرَ لَكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ أَيْ يَوْمٌ لَهُمْ وَيَوْمٌ لِلنَّاقَةِ كَقَوْلِهِ: قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [الشعراء: 155] .
وقوله تعالى: كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ قَالَ مُجَاهِدٌ: إِذَا غَابَتْ حَضَرُوا الْمَاءَ. وَإِذَا جَاءَتْ حَضَرُوا اللَّبَنَ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هُوَ عَاقِرُ النَّاقَةِ، وَاسْمُهُ قُدَارُ بْنُ سَالِفٍ، وَكَانَ أَشْقَى قَوْمِهِ. كَقَوْلِهِ: إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها [الشمس: 12] فَتَعاطى أي فحبسر فَعَقَرَ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ أَيْ فَعَاقَبْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِي لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِي وَتَكْذِيبِهِمْ رَسُولِي إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ أَيْ فَبَادُوا عَنْ آخِرِهِمْ لَمْ تَبْقَ مِنْهُمْ بَاقِيَةٌ، وَخَمَدُوا وَهَمَدُوا كَمَا يهمد وييبس الزَّرْعِ وَالنَّبَاتِ، قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَالْمُحْتَظِرُ قَالَ السُّدِّيُّ هُوَ الْمَرْعَى بِالصَّحْرَاءِ حِينَ ييبس ويحترق وتنسفه الرِّيحُ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَتِ الْعَرَبُ يَجْعَلُونَ حِظَارًا عَلَى الْإِبِلِ وَالْمَوَاشِي مَنْ يَبِيسِ الشَّوْكِ فَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ وَقَالَ سعيد بن جبير: هشيم الْمُحْتَظِرِ هُوَ التُّرَابُ الْمُتَنَاثِرُ مِنَ الْحَائِطِ، وَهَذَا قول غريب، والأول أقوى والله أعلم.
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (37)
وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40)
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ قَوْمِ لُوطٍ كَيْفَ كَذَّبُوا رَسُولَهُمْ وَخَالَفُوهُ، وَارْتَكَبُوا الْمَكْرُوهُ مِنْ إِتْيَانِ الذُّكُورِ وَهِيَ الْفَاحِشَةَ الَّتِي لَمْ يَسْبِقْهُمْ بِهَا أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ، وَلِهَذَا أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ هَلَاكًا لَمْ يُهْلِكْهُ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَحَمَلَ مَدَائِنَهُمْ حَتَّى وَصَلَ بِهَا إِلَى عَنَانِ السَّمَاءِ، ثُمَّ قَلَبَهَا عَلَيْهِمْ وَأَرْسَلَهَا وَأُتْبِعَتْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ، وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا: إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً وَهِيَ الْحِجَارَةُ إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ أَيْ خَرَجُوا مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَنَجَوْا مِمَّا أَصَابَ قَوْمَهُمْ، وَلَمْ يُؤْمِنْ بِلُوطٍ مِنْ قَوْمِهِ أَحَدٌ وَلَا رَجُلٌ وَاحِدٌ، حَتَّى وَلَا امْرَأَتُهُ