وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى ثم قال تعالى: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى أَيْ أَتَجْعَلُونَ لَهُ وَلَدًا وَتَجْعَلُونَ وَلَدَهُ أُنْثَى، وَتَخْتَارُونَ لِأَنْفُسِكُمُ الذُّكُورَ، فَلَوِ اقْتَسَمْتُمْ أَنْتُمْ وَمَخْلُوقٌ مِثْلُكُمْ هَذِهِ الْقِسْمَةَ لَكَانَتْ قِسْمَةٌ ضِيزى أَيْ جَوْرًا بَاطِلَةً، فَكَيْفَ تُقَاسِمُونَ رَبَّكُمْ هَذِهِ الْقِسْمَةَ الَّتِي لَوْ كَانَتْ بين مخلوقين كانت جورا وسفها، وقال تعالى مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ فِيمَا ابْتَدَعُوهُ وَأَحْدَثُوهُ مِنَ الْكَذِبِ وَالِافْتِرَاءِ وَالْكُفْرِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَتَسْمِيَتِهَا آلِهَةً:
إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ أَيْ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ أَيْ مِنْ حُجَّةٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ أَيْ لَيْسَ لَهُمْ مُسْتَنَدٌ إِلَّا حُسْنَ ظَنِّهِمْ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ سَلَكُوا هَذَا الْمَسْلَكَ الْبَاطِلَ قَبْلَهُمْ، وَإِلَّا حظ نفوسهم في رئاستهم وَتَعْظِيمِ آبَائِهِمُ الْأَقْدَمِينَ. وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى أَيْ وَلَقَدْ أَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ بِالْحَقِّ الْمُنِيرِ وَالْحُجَّةِ الْقَاطِعَةِ، وَمَعَ هَذَا مَا اتَّبَعُوا مَا جَاءُوهُمْ بِهِ وَلَا انْقَادُوا لَهُ.
ثم قال تعالى: أَمْ لِلْإِنْسانِ مَا تَمَنَّى أَيْ لَيْسَ كُلُّ مَنْ تَمَنَّى خَيْرًا حَصَلَ لَهُ لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ [النِّسَاءِ: 123] مَا كُلُّ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُهْتَدٍ يَكُونُ كَمَا قَالَ، وَلَا كُلُّ مَنْ وَدَّ شَيْئًا يَحْصُلُ لَهُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «1» : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا تَمَنَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَنْظُرْ مَا يَتَمَنَّى، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْ أُمْنِيَتِهِ» تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَوْلُهُ: فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى أَيْ إِنَّمَا الْأَمْرُ كُلُّهُ لِلَّهِ مَالِكِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْمُتَصَرِّفِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَهُوَ الَّذِي مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لَا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى كَقَوْلِهِ: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [الْبَقَرَةِ: 255] وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [سَبَأٍ: 23] فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي حَقِّ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، فَكَيْفَ تَرْجُونَ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ شَفَاعَةَ هَذِهِ الأصنام والأنداد عند الله، وهو تعالى لَمْ يُشَرِّعْ عِبَادَتَهَا وَلَا أَذِنَ فِيهَا، بَلْ قَدْ نَهَى عَنْهَا عَلَى أَلْسِنَةِ جَمِيعِ رُسُلِهِ وأنزل بالنهي عن ذلك جميع كتبه؟
إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (27) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (28) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا (29) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (30)
يَقُولُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي تَسْمِيَتِهِمُ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى، وَجَعْلِهِمْ لها أنها بنات الله تعالى الله عن ذلك كما قال تَعَالَى: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ