يَحْكِ هُوَ وَلَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ غَيْرَهُ وقوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ أَيْ لِمَنْ تَابَ إِلَيْهِ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ أَيْ لِمَنِ اسْتَمَرَّ عَلَى كُفْرِهِ وَطُغْيَانِهِ وَعِنَادِهِ وَشِقَاقِهِ وَمُخَالَفَتِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:
حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلَا عَفْوُ اللَّهِ وَتَجَاوُزُهُ مَا هَنَّأَ أَحَدًا الْعَيْشُ، وَلَوْلَا وعيده وعقابه لا تكل كل أحد» .
وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (44) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (45)
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى الْقُرْآنَ وَفَصَاحَتَهُ وَبَلَاغَتَهُ وَإِحْكَامَهُ فِي لَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ وَمَعَ هَذَا لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ الْمُشْرِكُونَ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ كُفْرَهُمْ بِهِ كُفْرُ عِنَادٍ وَتَعَنُّتٍ كما قال عز وجل: وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ [الشُّعَرَاءِ: 198- 199] وَكَذَلِكَ لَوْ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ بِلُغَةِ الْعَجَمِ لَقَالُوا عَلَى وجه التعنت والعناد لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ أَيْ لَقَالُوا هَلَّا أُنْزِلَ مُفَصَّلًا بِلُغَةِ العرب ولأنكروا ذلك فقالوا أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ أَيْ كَيْفَ يَنْزِلُ كَلَامٌ أَعْجَمِيٌّ عَلَى مُخَاطَبٍ عَرَبِيٍّ لَا يَفْهَمُهُ؟ هَكَذَا رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالسُّدِّيِّ وَغَيْرِهِمْ؟ وَقِيلَ الْمُرَادُ بقولهم لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ أي هل أُنْزِلَ بَعْضُهَا بِالْأَعْجَمِيِّ وَبَعْضُهَا بِالْعَرَبِيِّ؟ هَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَكَانَ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ بِلَا اسْتِفْهَامٍ فِي قَوْلِهِ أَعْجَمِيٌّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ سَعِيدِ بن جبير وهو في التعنت والعناد أبلغ.
ثم قال عز وجل: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ أَيْ قُلْ يَا مُحَمَّدُ هَذَا الْقُرْآنُ لِمَنْ آمَنَ بِهِ هُدًى لِقَلْبِهِ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ مِنَ الشُّكُوكِ وَالرَّيْبِ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ أَيْ لَا يَفْهَمُونَ مَا فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أَيْ لَا يَهْتَدُونَ إِلَى ما فيه من البيان كما قال سبحانه وتعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً [الْإِسْرَاءِ: 82] أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ قَالَ مُجَاهِدٌ يعني بعيد مِنْ قُلُوبِهِمْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «1» مَعْنَاهُ كَأَنَّ مَنْ يُخَاطِبُهُمْ يُنَادِيهِمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ لَا يفهمون ما يقول.
وقلت وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ [الْبَقَرَةِ: 171] وَقَالَ الضَّحَّاكُ يُنَادَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَشْنَعِ أَسْمَائِهِمْ. وَقَالَ السُّدِّيُّ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: جَالِسًا عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ المسلمين