وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ أَيْ إلا في ذهاب ولا يتقبل ولا يستجاب.
إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (51) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (53) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (54) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (55)
إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56)
قَدْ أَوْرَدَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ «1» رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا سُؤَالًا فَقَالَ قَدْ عُلِمَ أَنَّ بَعْضَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَتَلَهُ قَوْمُهُ بِالْكُلِّيَّةِ كَيَحْيَى وَزَكَرِيَّا وَشَعْيَاءَ وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ إِمَّا مُهَاجِرًا كَإِبْرَاهِيمَ، وَإِمَّا إِلَى السَّمَاءِ كَعِيسَى فَأَيْنَ النُّصْرَةُ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِجَوَابَيْنِ [أَحَدُهُمَا] أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ خَرَجَ عَامًّا وَالْمُرَادُ بِهِ الْبَعْضُ قَالَ وَهَذَا سَائِغٌ فِي اللُّغَةِ [الثَّانِي] أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالنَّصْرِ الِانْتِصَارُ لَهُمْ مِمَّنْ آذَاهُمْ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَتِهِمْ أَوْ فِي غَيْبَتِهِمْ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ كَمَا فُعِلَ بِقَتَلَةِ يَحْيَى وَزَكَرِيَّا وَشَعْيَاءَ سُلِّطَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ مَنْ أَهَانَهُمْ وَسَفَكَ دِمَاءَهُمْ وَقَدْ ذُكِرَ أن النمرود أخذه الله تعالى أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ، وَأَمَّا الَّذِينَ رَامُوا صَلْبَ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْيَهُودِ فَسَلَّطَ اللَّهُ تعالى عليهم الروم فأهانوهم وأذلوهم وأظهرهم الله تعالى عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ سَيَنْزِلُ عِيسَى ابن مريم عليه الصلاة والسلام إِمَامًا عَادِلًا وَحَكَمًا مُقْسِطًا فَيَقْتُلُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ وَجُنُودَهُ مِنَ الْيَهُودِ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ فَلَا يَقْبَلُ إِلَّا الْإِسْلَامَ وَهَذِهِ نصرة عظيمة وهذه سنة الله تعالى فِي خَلْقِهِ فِي قَدِيمِ الدَّهْرِ وَحَدِيثِهِ أَنَّهُ يَنْصُرُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا وَيُقِرُّ أَعْيُنَهُمْ مِمَّنْ آذَاهُمْ.
فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «يَقُولُ الله تبارك وتعالى مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْحَرْبِ» «2» وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «إِنِّي لِأَثْأَرُ لِأَوْلِيَائِي كَمَا يثأر الليث بالحرب» ولهذا أهلك الله عز وجل قَوْمَ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقَوْمَ لُوطٍ وَأَهْلَ مَدْيَنَ وَأَشْبَاهَهُمْ وَأَضْرَابَهُمْ مِمَّنْ كَذَّبَ الرسل وخالف الحق. وأنجى الله تعالى مِنْ بَيْنِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمْ يُهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدًا وعذب الكافرين فلم يفلت منهم أحدا.