شَيْئًا مِنَ الْمَعْرُوفِ إِلَّا قَالَتْ وَقَاكِ اللَّهُ عذاب القبر قال صلى الله عليه وسلم: «كَذَبَتْ يَهُودُ وَهُمْ عَلَى اللَّهِ أَكْذَبُ لَا عَذَابَ دُونَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ثُمَّ مَكَثَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ فَخَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ نِصْفَ النَّهَارِ مُشْتَمِلًا بِثَوْبِهِ مُحْمَرَّةً عَيْنَاهُ وَهُوَ يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ «الْقَبْرُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، أَيُّهَا النَّاسُ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أعلم بكيتم كَثِيرًا وَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، أَيُّهَا النَّاسُ اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَإِنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ حَقٌّ» وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
وَرَوَى أَحْمَدُ (?) حَدَّثَنَا يَزِيدُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عنها قالت سألتها امرأة يهودية فأعطتها فقالت لها وقاك الله من عذاب القبر فأنكرت عائشة رضي لله عنها ذلك فلما رأت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لَهُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم «لا» قالت عائشة رضي الله عنها ثُمَّ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ «وَإِنَّهُ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ» وَهَذَا أَيْضًا عَلَى شَرْطِهِمَا.
فَيُقَالُ فَمَا الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ كون الآية مكية وفيها دلالة عَلَى عَذَابِ الْبَرْزَخِ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ على عرض الأرواح على النَّارِ غُدُوًّا وَعَشِيًّا فِي الْبَرْزَخِ وَلَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى اتِّصَالِ تَأَلُّمِهَا بِأَجْسَادِهَا فِي الْقُبُورِ إِذْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مُخْتَصًّا بِالرُّوحِ فَأَمَّا حصول ذلك للجسد في البرزخ وَتَأَلُّمُهُ بِسَبَبِهِ فَلَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ إِلَّا السُّنَّةُ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَرْضِيَّةِ الْآتِي ذِكْرُهَا. وَقَدْ يُقَالُ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّمَا دَلَّتْ عَلَى عَذَابِ الْكُفَّارِ فِي الْبَرْزَخِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُعَذَّبَ الْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ بِذَنْبٍ.
وَمِمَّا يدل عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (?) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ مِنَ الْيَهُودِ وَهِيَ تَقُولُ أَشَعَرْتِ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ، فَارْتَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «إِنَّمَا يُفْتَنُ يهود» قالت عائشة رضي الله عنها فَلَبِثْنَا لَيَالِيَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «ألا إنكم تفتنون في القبور» وقالت عائشة رضي الله عنها فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ يَسْتَعِيذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ (?) عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعِيدٍ وَحَرْمَلَةَ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الْأَيْلِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهِ.
وَقَدْ يُقَالُ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى عَذَابِ الْأَرْوَاحِ فِي الْبَرْزَخِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَتَّصِلَ بالأجساد في قبورها فلما أوحي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ بخصوصه اسْتَعَاذَ مِنْهُ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ (?) مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ يَهُودِيَّةً دخلت عليها فقالت نعوذ بالله من عذاب القبر فسألت عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عذاب القبر فقال صلى الله عليه وسلم: «نعم عذاب القبر حق» قالت عائشة رضي الله عنها: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ صَلَّى صَلَاةً إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عذاب القبر.