كَيْ يَغْفِرَ لَهُمْ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنَا عَنِ الْجَنَّةِ ما بناؤها؟ قال صلى الله عليه وسلم: «لَبِنَةُ ذَهَبٍ وَلَبِنَةُ فِضَّةٍ وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ مَنْ يَدْخُلُهَا يَنْعَمُ وَلَا يَبْأَسُ وَيَخْلُدُ وَلَا يَمُوتُ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ، ثلاث لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لها أبواب السموات ويقول الرب تبارك وتعالى وَعِزَّتِي لَأَنْصُرُنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» «1» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وابن ماجة بعضه من حديث سعد بن أَبِي مُجَاهِدٍ الطَّائِيِّ وَكَانَ ثِقَةً عَنْ أَبِي المدله وكان ثقة به.
وقوله تعالى: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أَيْ تَسْلُكُ الْأَنْهَارُ من خلال ذلك كما يشاءون وَأَيْنَ أَرَادُوا وَعْدَ اللَّهِ أَيْ هَذَا الَّذِي ذكرناه وعده الله عباده المؤمنين لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ.
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (21) أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (22)
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّ أَصْلَ الْمَاءِ من السماء كما قال عز وجل: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً طَهُوراً [الْفُرْقَانِ: 48] فَإِذَا أَنْزَلَ الْمَاءَ مِنَ السَّمَاءِ كَمَنَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يَصْرِفُهُ تَعَالَى فِي أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَمَا يَشَاءُ وَيُنْبِعُهُ عُيُونًا مَا بَيْنَ صِغَارٍ وَكِبَارٍ بحسب الحاجة إليها ولهذا قال تبارك وتعالى: فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ عُتْبَةُ بْنُ يَقْظَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ قَالَ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ مَاءٌ إِلَّا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَكِنْ عُرُوقٌ فِي الْأَرْضِ تُغَيِّرُهُ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يَعُودَ الْمِلْحُ عَذْبًا فَلْيُصَعِّدْهُ، وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ أَنَّ كُلَّ مَاءٍ فِي الْأَرْضِ فَأَصْلُهُ مِنَ السَّمَاءِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَصْلُهُ مِنَ الثَّلْجِ يَعْنِي أَنَّ الثَّلْجَ يَتَرَاكَمُ عَلَى الْجِبَالِ فَيَسْكُنُ فِي قَرَارِهَا فَتَنْبُعُ الْعُيُونُ مِنْ أسافلها.
وقوله تعالى: ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ أَيْ ثُمَّ يُخْرِجُ بِالْمَاءِ النَّازِلِ مِنَ السَّمَاءِ وَالنَّابِعِ مِنَ الْأَرْضِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ أَيْ أَشْكَالُهُ وَطُعُومُهُ وَرَوَائِحُهُ وَمَنَافِعُهُ ثُمَّ يَهِيجُ أَيْ بَعْدَ نَضَارَتِهِ وَشَبَابِهِ يَكْتَهِلُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا قَدْ خَالَطَهُ الْيُبْسُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً أَيْ ثُمَّ يَعُودُ يَابِسًا يَتَحَطَّمُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ أَيِ الَّذِينَ يَتَذَكَّرُونَ بِهَذَا فَيَعْتَبِرُونَ إِلَى أَنَّ الدُّنْيَا هَكَذَا تَكُونُ خَضِرَةً نَضِرَةً حَسْنَاءَ ثُمَّ تَعُودُ عَجُوزًا شَوْهَاءَ وَالشَّابُّ يَعُودُ شَيْخًا هرما كبيرا ضعيفا