الْوَاضِحُ ثُمَّ وَصَفَ حَالَهُمْ فِي النَّارِ فَقَالَ: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ كما قال عز وجل: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:
41] .
وقال تَعَالَى: يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [العنكبوت: 55] وقوله جل جلاله: ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ أَيْ إِنَّمَا يَقُصُّ خَبَرَ هَذَا الْكَائِنِ لَا مَحَالَةَ لِيُخَوِّفَ بِهِ عِبَادَهُ لِيَنْزَجِرُوا عَنِ الْمَحَارِمِ وَالْمَآثِمِ. وَقَوْلُهُ تعالى: يَا عِبادِ فَاتَّقُونِ أَيِ اخْشَوْا بَأْسِي وَسَطْوَتِي وعذابي ونقمتي.
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (18)
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها نَزَلَتْ فِي زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نفيل وأبي ذر وسلمان الفارسي رضي الله تعالى عنهم «1» وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا شَامِلَةٌ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ مِمَّنِ اجْتَنَبَ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ وَأَنَابَ إِلَى عِبَادَةِ الرَّحْمَنِ فَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ثم قال عز وجل: فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أي يفهمونه ويعملون بما فيه كقوله تبارك وتعالى لموسى عليه الصلاة والسلام حِينَ آتَاهُ التَّوْرَاةَ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها [الْأَعْرَافِ: 145] . أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ أَيِ الْمُتَّصِفُونَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ هُمُ الَّذِينَ هَدَاهُمُ الله في الدنيا والآخرة وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ أي ذو والعقول الصحيحة والفطر المستقيمة.
[سورة الزمر (39) : الآيات 19 الى 20]
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ (20)
يَقُولُ تَعَالَى أَفَمَنْ كَتَبَ اللَّهُ أَنَّهُ شَقِيٌّ تَقْدِرُ تُنْقِذُهُ مِمَّا هُوَ فِيهِ مِنَ الضَّلَالِ وَالْهَلَاكِ؟ أَيْ لَا يَهْدِيهِ أَحَدٌ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ لِأَنَّهُ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَمَنْ يَهْدِهِ فَلَا مُضِلَّ له. ثم أخبر عز وجل عن عباده السعداء أن لهم غرفا فِي الْجَنَّةِ وَهِيَ الْقُصُورُ الشَّاهِقَةُ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ أَيْ طِبَاقٌ فَوْقَ طِبَاقٍ مَبْنِيَّاتٌ محكمات مزخرفات عاليات.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَسَدِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا يُرَى بُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا وَظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا» فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وصلى بالليل والناس