وَكُفْرُهُمْ بِاللَّهِ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ أَيْ نَحْنُ نَعْلَمُ جَمِيعَ مَا هُمْ فيه، وَسَنَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ وَنُعَامِلُهُمْ عَلَى ذَلِكَ يَوْمَ لَا يَفْقِدُونَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ جَلِيلًا وَلَا حَقِيرًا وَلَا صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا بَلْ يُعْرَضُ عَلَيْهِمْ جَمِيعُ ما كانوا يعملون قديما وحديثا.
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80)
قَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالسُّدِّيُّ وَقَتَادَةُ: جَاءَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ لَعَنَهُ اللَّهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي يَدِهِ عَظْمٌ رَمِيمٌ، وهو يفته ويذروه فِي الْهَوَاءِ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ أَتَزْعُمُ أن الله يبعث هذا؟ قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ يُمِيتُكَ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ يَبْعَثُكَ، ثُمَّ يَحْشُرُكَ إِلَى النَّارِ» وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ مِنْ آخِرِ يس أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ إِلَى آخِرِهِنَّ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجُنَيْدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الزَّيَّاتُ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَنَّ الْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ أَخَذَ عَظْمًا مِنَ الْبَطْحَاءِ فَفَتَّهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُحْيِي اللَّهُ هَذَا ما بعد أَرَى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ يُمِيتُكَ اللَّهُ، ثُمَّ يُحْيِيكَ، ثُمَّ يُدْخِلُكَ جَهَنَّمَ» قَالَ:
وَنَزَلَتِ الْآيَاتُ مِنْ آخَرِ يس، وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فذكر هو ولم يذكر ابن عباس رضي الله عنهما.
وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بِعَظْمٍ فَفَتَّهُ وَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا مُنْكَرٌ، لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ إِنَّمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ سَوَاءً كَانَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ قَدْ نَزَلَتْ في أبي بن خلف أو الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ أَوْ فِيهِمَا، فَهِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ في قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ لِلْجِنْسِ يَعُمُّ كُلَّ مُنْكِرٍ لِلْبَعْثِ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ أي أو لم يَسْتَدِلَّ مَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ بِالْبَدْءِ عَلَى الْإِعَادَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ ابْتَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، فَخَلَقَهُ مِنْ شَيْءٍ حَقِيرٍ ضعيف مهين، كما قال عز وجل: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ [الْمُرْسَلَاتِ: 20- 22] وَقَالَ تعالى: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ [الْإِنْسَانِ: 2] أَيْ مَنْ نُطْفَةٍ مِنْ أَخْلَاطٍ مُتَفَرِّقَةٍ، فَالَّذِي خَلَقَهُ مِنْ هَذِهِ النُّطْفَةِ الضَّعِيفَةِ أَلَيْسَ بِقَادِرٍ عَلَى إِعَادَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ.
كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «1» فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا حَرِيزٌ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَيْسَرَةَ عن جبير بن نفير عن بشر بن جحاش قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: بصق