يعني بجهلهم بربهم، يقول لم ينفذ لهم علم في الآخرة، هَذَا قَوْلٌ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ حِينَ لَمْ يَنْفَعِ الْعِلْمُ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَالسُّدِّيُّ أَنَّ عِلْمَهُمْ إِنَّمَا يُدْرِكُ وَيَكْمُلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [مَرْيَمَ:
38] وَقَالَ سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ قَالَ:
اضْمَحَلَّ عِلْمُهُمْ فِي الدُّنْيَا حِينَ عاينوا الآخرة.
وقوله تعالى: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها عَائِدٌ عَلَى الجنس، والمراد الكافرون، كما قال تعالى: عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً
[الْكَهْفِ: 48] أَيِ الْكَافِرُونَ مِنْكُمْ. وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها أَيْ شَاكُّونَ فِي وُجُودِهَا وَوُقُوعِهَا بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ أَيْ فِي عَمَايَةٍ وَجَهْلٍ كَبِيرٍ فِي أمرها وشأنها.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنا هَذَا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70)
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ مُنْكِرِي الْبَعْثِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمُ اسْتَبْعَدُوا إِعَادَةَ الْأَجْسَادِ بَعْدَ صَيْرُورَتِهَا عِظَامًا وَرُفَاتًا وَتُرَابًا، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ وُعِدْنا هَذَا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ أَيْ مَا زِلْنَا نَسْمَعُ بِهَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا وَلَا نَرَى لَهُ حَقِيقَةً وَلَا وُقُوعًا، وَقَوْلُهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ يَعْنُونَ مَا هَذَا الْوَعْدُ بِإِعَادَةِ الْأَبْدَانِ إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ أَيْ أَخَذَهُ قَوْمٌ عَمَّنْ قَبْلَهُمْ من كتب يَتَلَقَّاهُ بَعْضٌ عَنْ بَعْضٍ وَلَيْسَ لَهُ حَقِيقَةٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُجِيبًا لَهُمْ عَمَّا ظَنُّوهُ مِنَ الْكُفْرِ وَعَدَمِ الْمَعَادِ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ أي المكذبين بالرسل وبما جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ أَمْرِ الْمَعَادِ وَغَيْرِهِ كَيْفَ حلت بهم نقمة اللَّهِ وَعَذَابُهُ وَنَكَالُهُ وَنَجَّى اللَّهُ مِنْ بَيْنِهِمْ رُسُلَهُ الْكِرَامَ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِدْقِ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وصحته، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُسَلِّيًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ أَيِ الْمُكَذِّبِينَ بِمَا جِئْتَ بِهِ وَلَا تَأْسَفْ عَلَيْهِمْ وَتَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حسرات وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ أَيْ فِي كَيْدِكَ، وَرَدِّ مَا جِئْتَ بِهِ فَإِنَّ اللَّهَ مُؤَيِّدُكَ وَنَاصِرُكَ وَمُظْهِرٌ دِينَكَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ وَعَانَدَهُ في المشارق والمغارب.
[سورة النمل (27) : الآيات 71 الى 75]
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (71) قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (74) وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (75)