مجاهد أمر به فغير ما كان فيه أَحْمَرَ جُعِلَ أَصْفَرَ، وَمَا كَانَ أَصْفَرَ جُعِلَ أَحْمَرَ، وَمَا كَانَ أَخْضَرَ جُعِلَ أَحْمَرَ غُيِّرَ كُلُّ شَيْءٍ عَنْ حَالِهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ زَادُوا فِيهِ وَنَقَصُوا وَقَالَ قَتَادَةُ جَعَلَ أَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ وَمُقَدَّمَهُ مُؤَخَّرَهُ وَزَادُوا فِيهِ وَنَقَصُوا فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ أَيْ عُرِضَ عَلَيْهَا عَرْشُهَا وَقَدْ غُيِّرَ وَنُكِّرَ وَزِيدَ فِيهِ وَنُقِصَ مِنْهُ فَكَانَ فِيهَا ثَبَاتٌ وَعَقْلٌ، وَلَهَا لُبٌّ وَدَهَاءٌ وَحَزْمٌ، فَلَمْ تُقْدِمْ عَلَى أَنَّهُ هُوَ لِبُعْدِ مَسَافَتِهِ عَنْهَا وَلَا أَنَّهُ غَيْرُهُ لِمَا رَأَتْ مِنْ آثَارِهِ وَصِفَاتِهِ وَإِنْ غُيِّرَ وَبُدِّلَ وَنُكِّرَ فَقَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ أَيْ يُشْبِهُهُ وَيُقَارِبُهُ. وَهَذَا غَايَةٌ فِي الذَّكَاءِ وَالْحَزْمِ.
وَقَوْلُهُ: وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ قال مجاهد يقوله سليمان (?) ، وقوله تعالى: وَصَدَّها مَا كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ هَذَا مِنْ تَمَامِ كَلَامِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَيْ قَالَ سُلَيْمَانُ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ وَهِيَ كَانَتْ قَدْ صَدَّهَا أَيْ مَنَعَهَا مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ مَا كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدٌ: حَسَنٌ وَقَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا، ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي قَوْلِهِ وَصَدَّها ضَمِيرٌ يَعُودُ إِلَى سُلَيْمَانَ أَوْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَقْدِيرُهُ وَمَنَعَهَا مَا كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَيْ صَدَّهَا عَنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (قُلْتُ) : وَيُؤَيِّدُ قَوْلَ مُجَاهِدٍ أَنَّهَا إِنَّمَا أَظْهَرَتِ الْإِسْلَامَ بَعْدَ دُخُولِهَا إِلَى الصَّرْحِ كَمَا سَيَأْتِي.
وقوله: يلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها
وَذَلِكَ أَنَّ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ الشَّيَاطِينَ فَبَنَوْا لَهَا قَصْرًا عَظِيمًا مِنْ قَوَارِيرَ أَيْ مِنْ زُجَاجٍ وَأَجْرَى تَحْتَهُ الْمَاءَ فَالَّذِي لَا يَعْرِفُ أَمْرَهُ يَحْسَبُ أَنَّهُ مَاءٌ وَلَكِنَّ الزُّجَاجَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَاشِي وَبَيْنَهُ. وَاخْتَلَفُوا فِي السَّبَبِ الَّذِي دَعَا سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى اتِّخَاذِهِ فَقِيلَ: إِنَّهُ لَمَّا عَزَمَ على تزوجها واصطفائها لنفسه، ذكر له جمالها وحسنها لكن فِي سَاقَيْهَا هُلْبٌ (?) عَظِيمٌ وَمُؤَخَّرُ أَقْدَامِهَا كَمُؤَخَّرِ الدَّابَّةِ.
فَسَاءَهُ ذَلِكَ فَاتَّخَذَ هَذَا لِيَعْلَمَ صِحَّتَهُ أَمْ لَا؟ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَغَيْرِهِ. فَلَمَّا دَخَلَتْ وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا رأى أحسن الناس ساقا وأحسنهم قَدَمًا وَلَكِنْ رَأَى عَلَى رِجْلَيْهَا شَعْرًا لِأَنَّهَا ملكة وليس لها زوج فَأَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ ذَلِكَ عَنْهَا فَقِيلَ لَهَا الْمُوسَى فَقَالَتْ لَا أَسْتَطِيعُ ذَلِكَ.
وَكَرِهَ سُلَيْمَانُ ذَلِكَ وَقَالَ لِلْجِنِّ: اصْنَعُوا شَيْئًا غَيْرَ الْمُوسَى يذهب بهذا الشَّعْرُ فَصَنَعُوا لَهُ النُّورَةَ.
وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اتُّخِذَتْ لَهُ النُّورَةُ (?) ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُمْ.
وَقَالَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ ثُمَّ قَالَ لَهَا: ادْخُلِي الصرح ليريها ملكا هو أعز