تعالى نعمته على عبيده في حفظه بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَكِلَاءَتِهِ وَحِرَاسَتِهِ لَهُمْ بِعَيْنِهِ الَّتِي لَا تَنَامُ، فَقَالَ: قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ أي بدل الرحمن يعني غيره، كما قال الشاعر: [رجز]

جَارِيَةٌ لَمْ تَلْبَسِ الْمُرَقَّقَا ... وَلَمْ تَذُقْ مِنَ الْبُقُولِ الْفُسْتُقَا «1»

أَيْ لَمْ تَذُقْ بَدَلَ الْبُقُولِ الْفُسْتُقَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ أي لا يعترفون بنعمة الله عَلَيْهِمْ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ، بَلْ يُعْرِضُونَ عَنِ آيَاتِهِ وَآلَائِهِ، ثُمَّ قَالَ أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَتَقْرِيعٍ وَتَوْبِيخٍ، أَيْ أَلَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ وَتَكْلَؤُهُمْ غَيْرُنَا؟ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا تَوَهَّمُوا، وَلَا كَمَا زَعَمُوا، وَلِهَذَا قَالَ: لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ أن هَذِهِ الْآلِهَةُ الَّتِي اسْتَنَدُوا إِلَيْهَا غَيْرَ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ. وَقَوْلُهُ: وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ قَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ أَيْ يُجَارُونَ. وَقَالَ قتادة: لا يصبحون مِنَ اللَّهِ بِخَيْرٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَلَا هُمْ منا يصحبون يمنعون.

[سورة الأنبياء (21) : الآيات 44 الى 47]

بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (44) قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا مَا يُنْذَرُونَ (45) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (46) وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (47)

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْمُشْرِكِينَ: إِنَّمَا غَرَّهُمْ وَحَمَلَهُمْ عَلَى مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الضَّلَالِ أَنَّهُمْ مُتِّعُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَنُعِّمُوا وَطَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ فِيمَا هُمْ فِيهِ، فَاعْتَقَدُوا أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ، ثُمَّ قَالَ وَاعِظًا لَهُمْ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَاهُ، وَقَدْ أَسْلَفْنَاهُ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ وَأَحْسَنُ مَا فُسِّرَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ أَهْلَكْنا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الْأَحْقَافِ: 27] وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: يَعْنِي بِذَلِكَ ظُهُورَ الْإِسْلَامِ عَلَى الْكُفْرِ، وَالْمَعْنَى أَفَلَا يَعْتَبِرُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ لِأَوْلِيَائِهِ عَلَى أَعْدَائِهِ وَإِهْلَاكِهِ الْأُمَمَ الْمُكَذِّبَةَ وَالْقُرَى الظَّالِمَةَ وَإِنْجَائِهِ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلِهَذَا قَالَ: أَفَهُمُ الْغالِبُونَ يَعْنِي بَلْ هُمْ الْمَغْلُوبُونَ الأسفلون الأخسرون والأرذلون.

وَقَوْلُهُ: قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ أَيْ إِنَّمَا أنا مبلغ عن الله ما أنذرتكم به من العذاب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015