الشَّمْسُ أَوْ دَخَلُوا الْبَحْرَ وَذَلِكَ أَنَّ أَرْضَهُمْ لَيْسَ فِيهَا جَبَلٌ. جَاءَهُمْ جَيْشٌ مَرَّةً فَقَالَ لَهُمْ أَهْلُهَا:
لَا تَطْلُعَنَّ عَلَيْكُمُ الشَّمْسُ وَأَنْتُمْ بِهَا، قَالُوا: لَا نَبْرَحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مَا هَذِهِ الْعِظَامُ؟ قَالُوا:
هَذِهِ جِيَفُ جَيْشٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِمُ الشَّمْسُ هَاهُنَا ... فَمَاتُوا، قَالَ: فَذَهَبُوا هَارِبِينَ فِي الْأَرْضِ وَقَوْلُهُ: كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً قَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ: عِلْمًا أَيْ نَحْنُ مُطَّلِعُونَ عَلَى جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَأَحْوَالِ جَيْشِهِ لَا يَخْفَى عَلَيْنَا مِنْهَا شَيْءٌ وَإِنْ تَفَرَّقَتْ أُمَمُهُمْ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَرْضُ فَإِنَّهُ تَعَالَى لَا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ [آل عمران: 5] .
ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (92) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لَا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (93) قالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ نَارًا قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (96)
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبَرًا عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً أَيْ ثُمَّ سَلَكَ طَرِيقًا مِنْ مَشَارِقِ الْأَرْضِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَهُمَا جَبَلَانِ مُتَنَاوِحَانِ»
بَيْنَهُمَا ثَغْرَةٌ يَخْرُجُ مِنْهَا يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ عَلَى بلاد الترك فيعيثون فيها فَسَادًا وَيُهْلِكُونَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ، وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ مِنْ سُلَالَةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: يَا آدَمُ فيقول لبيك وسعديك فيقول وما بعث النار فيقول ابعث بَعْثُ النَّارِ؟ فَيَقُولُ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٌ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ إِلَى النَّارِ وَوَاحِدٌ إِلَى الْجَنَّةِ، فَحِينَئِذٍ يَشِيبُ الصَّغِيرُ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حملها فقال إِنَّ فِيكُمْ أُمَّتَيْنِ مَا كَانَتَا فِي شَيْءٍ إِلَّا كَثَّرَتَاهُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ» «2» وَقَدْ حَكَى النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ خُلِقُوا مِنْ مَنِيٍّ خَرَجَ مِنْ آدَمَ فَاخْتَلَطَ بِالتُّرَابِ فَخُلِقُوا مِنْ ذَلِكَ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُونَ مَخْلُوقِينَ مِنْ آدَمَ وَلَيْسُوا مِنْ حَوَّاءَ وَهَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ جِدًّا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ لَا مِنْ عَقْلٍ وَلَا مِنْ نَقْلٍ وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ هَاهُنَا عَلَى مَا يَحْكِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْكِتَابِ لِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُفْتَعَلَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ «3» عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَلَدَ نُوحٌ ثَلَاثَةً: سَامٌ أَبُو الْعَرَبِ وَحَامٌ أَبُو السُّودَانِ، وَيَافِثُ أَبُو التُّرْكِ» قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَؤُلَاءِ من نسل يافث أبي الترك، وقال إنما سمي هَؤُلَاءِ تُرْكًا لِأَنَّهُمْ تُرِكُوا مِنْ وَرَاءِ السَّدِّ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَإِلَّا فَهُمْ أَقْرِبَاءُ أُولَئِكَ وَلَكِنْ كَانَ فِي أُولَئِكَ بَغْيٌ وَفَسَادٌ وَجَرَاءَةٌ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ هَاهُنَا عَنْ وَهْبِ بن منبه أثرا