أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا أَدْرِي مَا الرقيم؟ كتاب أَمْ بُنْيَانٌ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الرَّقِيمُ الْكِتَابُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الرَّقِيمُ لَوْحٌ مِنْ حِجَارَةٍ كَتَبُوا فِيهِ قِصَصَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، ثُمَّ وَضَعُوهُ عَلَى بَابِ الْكَهْفِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: الرَّقِيمُ الْكِتَابُ، ثُمَّ قَرَأَ: كِتَابٌ مرقوم. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ، قَالَ: الرَّقِيمُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَرْقُومٍ، كما يقال لِلْمَقْتُولِ قَتِيلٌ، وَلِلْمَجْرُوحِ جَرِيحٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ أُولَئِكَ الْفِتْيَةِ الَّذِينَ فَرُّوا بِدِينِهِمْ مِنْ قَوْمِهِمْ لِئَلَّا يَفْتِنُوهُمْ عنه فهربوا منهم فلجأوا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ لِيَخْتَفُوا عَنْ قَوْمِهِمْ، فَقَالُوا حِينَ دَخَلُوا سَائِلِينَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى رَحْمَتَهُ وَلُطْفَهُ بِهِمْ رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً أَيْ هَبْ لَنَا مِنْ عِنْدِكَ رَحْمَةً تَرْحَمُنَا بِهَا وَتَسْتُرُنَا عَنْ قَوْمِنَا وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً أَيْ وَقَدِّرْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا هَذَا رَشَدًا أَيْ اجْعَلْ عَاقِبَتَنَا رَشَدًا، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «وَمَا قَضَيْتَ لَنَا مِنْ قَضَاءٍ فَاجْعَلْ عَاقِبَتَهُ رَشَدًا» وَفِي الْمُسْنَدِ من حديث بسر بن أَرْطَاةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو «اللَّهُمَّ أَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا، وَأَجِرْنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ» (?) .
وَقَوْلُهُ: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً أَيْ أَلْقَيْنَا عَلَيْهِمُ النَّوْمَ حِينَ دَخَلُوا إِلَى الْكَهْفِ فَنَامُوا سِنِينَ كَثِيرَةً، ثُمَّ بَعَثْناهُمْ أَيْ مِنْ رَقْدَتِهِمْ تِلْكَ، وَخَرَجَ أَحَدُهُمْ بِدَرَاهِمَ مَعَهُ لِيَشْتَرِيَ لَهُمْ بِهَا طَعَامًا يَأْكُلُونَهُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَتَفْصِيلُهُ، وَلِهَذَا قَالَ: ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَيِ الْمُخْتَلِفَيْنِ فِيهِمْ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً قِيلَ: عَدَدًا، وقيل: غاية، فإنّ الأمد الغاية، كقوله: [البسيط] سبق الجواد إذا استولى على الأمد (?)