«اهْجُهُمْ- أَوْ هَاجِهِمْ- وَجِبْرِيلُ مَعَكَ» وَفِي شِعْرِ حسان قوله: [الوافر]
وجبريل رسول الله فينا ... وَرُوحُ الْقُدُسِ لَيْسَ بِهِ خَفَاءُ (?)
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ الْأَشْعَرِيِّ: أَنَّ نَفَرًا مِنَ الْيَهُودِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنِ الرُّوحِ، فَقَالَ:
«أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَبِأَيَّامِهِ عند بني إسرائيل هل تعلمون أنه جبرائيل وَهُوَ الذِي يَأْتِينِي؟» قَالُوا: نَعَمْ، وَفِي صَحِيحِ ابن حبان، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي أنه لن تموت نفس حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا وَأَجَلَهَا، فَاتَّقَوُا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ» . أَقْوَالٌ أُخَرُ- قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضحاك، عن ابن عباس وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ قَالَ: هُوَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ الذِي كَانَ عِيسَى يُحْيِي بِهِ الْمَوْتَى. وَقَالَ ابْنُ جرير (?) : حدثت عن المنجاب فذكره، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ نَحْوَ ذَلِكَ، وَنَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ (?) عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَيْضًا قَالَ: وَهُوَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: الرُّوحُ هُوَ حَفَظَةٌ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ:
الْقُدْسُ هُوَ الرَّبُّ تبارك وتعالى، وهو قول كعب، وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا: الْقُدُسُ: هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَرُوحُهُ: جِبْرِيلُ، وهو قول كعب، وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا: الْقُدُسُ: هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَرُوحُهُ: جِبْرِيلُ. فعلى هذا يكون القول الأول، وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْقُدْسُ الْبَرَكَةُ. وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابن عباس: القدس: الطهر، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ قَالَ: أَيَّدَ اللَّهُ عِيسَى بِالْإِنْجِيلِ رُوحًا كَمَا جَعَلَ الْقُرْآنَ رُوحًا، كِلَاهُمَا رُوحٌ مِنَ اللَّهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشُّورَى: 52] ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ (?) :
وَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: الرُّوحُ فِي هذا الموضع: جبرائيل، فإن الله تعالى أَخْبَرَ أَنَّهُ أَيَّدَ عِيسَى بِهِ كَمَا أَخْبَرَ في قوله تَعَالَى إِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ [الْمَائِدَةِ: 110، فَذَكَرَ أَنَّهُ أَيَّدَهُ بِهِ، فَلَوْ كَانَ الرُّوحُ الذِي أَيَّدَهُ بِهِ هُوَ الْإِنْجِيلُ، لَكَانَ قَوْلُهُ: «إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ. وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الكتاب والحكمة والتوراة