وَهَذَا الْمِيزَانَ، قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ الله عليه الصلاة والسلام كَانَ يَقُولُ «لَا يَقْدِرُ رَجُلٌ عَلَى حَرَامٍ ثُمَّ يَدَعُهُ لَيْسَ بِهِ إِلَّا مَخَافَةُ اللَّهِ، إلا أبدله الله به فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ مَا هُوَ خير له من ذلك» .
وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (36)
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عباس يقول: لا تقل. وقال العوفي: لَا تَرْمِ أَحَدًا بِمَا لَيْسَ لَكَ بِهِ علم. وقال محمد ابن الْحَنَفِيَّةِ: يَعْنِي شَهَادَةَ الزُّورِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: لَا تَقُلْ رَأَيْتُ وَلَمْ تَرَ، وَسَمِعْتُ وَلَمْ تُسْمِعْ، وعلمت ولم تعلم، فإن الله تعالى سَائِلُكَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ «1» ، وَمَضْمُونُ مَا ذَكَرُوهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَى عَنِ الْقَوْلِ بِلَا عِلْمٍ بَلْ بِالظَّنِّ الَّذِي هُوَ التَّوَهُّمُ وَالْخَيَالُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الْحُجُرَاتِ: 12] وَفِي الْحَدِيثِ «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» «2» . وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا» «3» وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «إِنَّ أَفَرَى الْفِرَى أَنْ يرى الرجل عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَيَا» «4» . وَفِي الصَّحِيحِ «مَنْ تَحَلَّمَ حُلْمًا كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَعْقِدَ بين شعيرتين وليس بفاعل» «5» .
وَقَوْلُهُ: كُلُّ أُولئِكَ أَيْ هَذِهِ الصِّفَاتُ مِنَ السمع والبصر والفؤاد كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا أَيْ سَيُسْأَلُ الْعَبْدُ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَتُسْأَلُ عنه عما عَمِلَ فِيهَا، وَيَصِحُّ اسْتِعْمَالُ أُولَئِكَ مَكَانَ تِلْكَ، كما قال الشاعر: [الكامل]
ذُمَّ الْمَنَازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللِّوَى ... وَالْعَيْشَ بَعْدَ أولئك الأيّام «6»
وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً (37) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (38)