عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إذا كانا بالحرة- حرة راقم- نَزَلَا، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَقَالَا: اشْخَصَا يَا عَدُوَّيِ اللَّهِ لَعَنَكُمَا اللَّهُ، فَقَالَ عَامِرٌ: مَنْ هَذَا يَا سَعْدُ؟
قَالَ: هَذَا أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرِ الْكَتَائِبِ، فَخَرَجَا حَتَّى إِذَا كَانَا بِالرَّقْمِ، أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَى أَرْبَدَ صَاعِقَةً فَقَتَلَتْهُ، وَخَرَجَ عَامِرٌ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْخَرِيمِ أَرْسَلَ اللَّهُ قُرْحَةً فَأَخَذَتْهُ، فَأَدْرَكَهُ اللَّيْلُ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي سَلُولٍ، فَجَعَلَ يَمَسُّ قُرْحَتَهُ فِي حَلْقِهِ وَيَقُولُ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْجَمَلِ فِي بَيْتِ سَلُولِيَّةٍ، تَرْغَبُ أَنْ يَمُوتَ فِي بَيْتِهَا، ثُمَّ رَكِبَ فَرَسَهُ فَأُحْضِرَهُ حَتَّى مَاتَ عَلَيْهِ رَاجِعًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمَا اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى - إِلَى قَوْلِهِ- وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ قَالَ: الْمُعَقِّبَاتُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ يَحْفَظُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَّرَ أَرْبَدَ وما قتله به، فقال وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ الْآيَةَ.
وَقَوْلُهُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ أَيْ يَشُكُّونَ فِي عَظَمَتِهِ، وَأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: شديدة مما حلته فِي عُقُوبَةِ مَنْ طَغَى عَلَيْهِ، وَعَتَا وَتَمَادَى فِي كُفْرِهِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ شَبِيهَةٌ بِقَوْلِهِ: وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ [النَّمْلِ: 50- 51] ، وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ أَيْ شَدِيدُ الْأَخْذِ، وَقَالَ مجاهد: شديد القوة.
لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (14)
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ قَالَ: التَّوْحِيدُ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «1» .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَمَالكٌ عَنْ محمد بن المنكدر لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الآية، أَيْ وَمَثَلُ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ آلِهَةً غَيْرَ اللَّهِ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: كَمَثَلِ الَّذِي يَتَنَاوَلُ الْمَاءَ مِنْ طَرَفِ الْبِئْرِ بِيَدِهِ وَهُوَ لَا يَنَالُهُ أَبَدًا بِيَدِهِ، فَكَيْفَ يَبْلُغُ فَاهُ؟ وَقَالَ مُجَاهِدٌ كَباسِطِ كَفَّيْهِ يَدْعُو الْمَاءَ بِلِسَانِهِ وَيُشِيرُ إليه فَلَا يَأْتِيهِ أَبَدًا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ كَقَابِضِ يَدَهُ عَلَى الْمَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يُحْكِمُ مِنْهُ عَلَى شيء، كما قال الشاعر: [الطويل]
فَإِنِّي وَإيَّاكُمْ وَشَوْقًا إِلَيْكُمُ ... كَقَابِضِ مَاءٍ لَمْ تسقه أنامله «2»
وقال الآخر: [الطويل]
فَأَصْبَحْتُ ممَّا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا ... مِنَ الوُدِّ مثل القابض الماء باليد «3»