الْأَصْوَاتَ، وَاللَّهِ لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ تَشْتَكِي زَوْجَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، وَأَنَا فِي جَنْبِ الْبَيْتِ، وَإِنَّهُ لَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُ كَلَامِهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (?) [الْمُجَادَلَةِ: 1] .
وَقَوْلُهُ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ أَيْ مُخْتَفٍ فِي قَعْرِ بَيْتِهِ فِي ظَلَامِ اللَّيْلِ، وَسارِبٌ بِالنَّهارِ أَيْ ظَاهِرٌ مَاشٍ فِي بَيَاضِ النَّهَارِ وَضِيَائِهِ، فَإِنَّ كِلَيْهِمَا فِي عِلْمِ الله على السواء، كقوله تعالى: أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ [هود: 5] الآية.
وقوله تعالى: وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ [يُونُسَ: 61] .
وَقَوْلُهُ: لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ أَيْ لِلْعَبْدِ مَلَائِكَةٌ يَتَعَاقَبُونَ عَلَيْهِ، حَرَسٌ بِاللَّيْلِ وَحَرَسٌ بِالنَّهَارِ، يَحْفَظُونَهُ مِنَ الْأَسْوَاءِ وَالْحَادِثَاتِ، كَمَا يَتَعَاقَبُ مَلَائِكَةٌ آخَرُونَ لِحِفْظِ الْأَعْمَالِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، فَاثْنَانِ عن اليمين والشمال يَكْتُبَانِ الْأَعْمَالَ، صَاحِبُ الْيَمِينِ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ، وَصَاحِبُ الشِّمَالِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ، وَمَلَكَانِ آخَرَانِ يَحْفَظَانِهِ وَيَحْرُسَانِهِ، واحد مِنْ وَرَائِهِ وَآخِرَ مَنْ قُدَّامِهِ، فَهُوَ بَيْنُ أربعة أملاك بالنهار، وأربعة أملاك بِاللَّيْلِ، بَدَلًا حَافِظَانِ وَكَاتِبَانِ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، فَيَصْعَدُ إِلَيْهِ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: أَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَتَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» (?) . وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «إِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقَكُمْ إِلَّا عِنْدَ الْخَلَاءِ وَعِنْدَ الْجِمَاعِ، فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ» (?) .
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله: لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ والمعقبات من الله هي الْمَلَائِكَةُ (?) ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ قَالَ: مَلَائِكَةٌ يَحْفَظُونَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمَنْ خَلْفِهِ، فَإِذَا جَاءَ قَدَرُ اللَّهِ خَلَّوْا عَنْهُ (?) ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا لَهُ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، يَحْفَظُهُ فِي نَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْهَوَامِّ، فَمَا منها شيء يأتيه يريده، إلا قال له الملك وراءك، إلا شيء أذن الله فيه