فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ فِي الشَّهْرِ السَّابِعِ لسبع عشرة ليلة مضت منه في أول يوم من الشهر العاشر رأى رؤوس الْجِبَالِ فَلَمَّا مَضَى بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا فَتَحَ نُوحٌ كَوَّةَ الْفُلْكِ الَّتِي رَكِبَ فِيهَا ثُمَّ أَرْسَلَ الْغُرَابَ لِيَنْظُرَ لَهُ مَا صَنَعَ الماء فلم يرجع إليه فأرسل الحمامة فرجع إِلَيْهِ لَمْ تَجِدْ لِرِجْلَيْهَا مَوْضِعًا فَبَسَطَ يَدَهُ لِلْحَمَامَةِ فَأَخَذَهَا فَأَدْخَلَهَا ثُمَّ مَضَى سَبْعَةُ أَيَّامٍ ثُمَّ أَرْسَلَهَا لِتَنْظُرَ لَهُ فَرَجَعَتْ حِينَ أَمْسَتْ وَفِي فِيهَا وَرَقُ زَيْتُونٍ فَعَلِمَ نُوحٌ أَنَّ الْمَاءَ قَدْ قَلَّ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ ثُمَّ مكث سبعة أيام ثم أرسلها فَلَمْ تَرْجِعْ فَعَلِمَ نُوحٌ أَنَّ الْأَرْضَ قَدْ بَرَزَتْ فَلَمَّا كَمَلَتِ السَّنَةُ فِيمَا بَيْنَ أَنْ أَرْسَلَ اللَّهُ الطُّوفَانَ إِلَى أَنْ أَرْسَلَ نُوحٌ الْحَمَامَةَ وَدَخَلَ يَوْمُ وَاحِدٍ مِنَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ بَرَزَ وَجْهُ الْأَرْضِ وَظَهَرَ البر وكشف نوح غطاء الفلك وَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ فِي ست وَعِشْرِينَ لَيْلَةً مِنْهُ قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا «1» الآية.
تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)
يَقُولُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْقِصَّةُ وَأَشْبَاهُهَا: مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ يَعْنِي مِنْ أَخْبَارِ الْغُيُوبِ السالفة نوحيها إليك على وجهها كَأَنَّكَ شَاهِدُهَا نُوحِيهَا إِلَيْكَ أَيْ نُعْلِمُكَ بِهَا وَحْيًا مِنَّا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَيْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ وَلَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ قَوْمِكَ عَلِمٌ بِهَا حَتَّى يَقُولَ مَنْ يُكَذِّبُكَ إِنَّكَ تَعَلَّمْتَهَا مِنْهُ بَلْ أَخْبَرَكَ اللَّهُ بِهَا مُطَابِقَةً لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ الصَّحِيحُ كَمَا تَشْهَدُ بِهِ كُتُبُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَكَ فَاصْبِرْ عَلَى تَكْذِيبِ مَنْ كَذَّبَكَ مِنْ قَوْمِكَ وَأَذَاهُمْ لَكَ فَإِنَّا سَنَنْصُرُكَ وَنَحُوطُكَ بِعِنَايَتِنَا وَنَجْعَلُ الْعَاقِبَةَ لَكَ وَلِأَتْبَاعِكَ في الدنيا والآخرة كما فعلنا بِالْمُرْسَلِينَ حَيْثُ نَصَرْنَاهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا [غافر: 51] الآية وَقَالَ تَعَالَى:
وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ [الصافات: 171- 172] الآية وقال تعالى: فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود: 49] .
وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (50) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (51) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)
يَقُولُ تَعَالَى وَلقد أَرْسَلْنَا إِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً آمِرًا لَهُمْ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شريك له ناهيا لهم عن الْأَوْثَانِ الَّتِي افْتَرَوْهَا وَاخْتَلَقُوا لَهَا أَسْمَاءَ الْآلِهَةِ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ مِنْهُمْ أُجْرَةً عَلَى هَذَا النُّصْحِ وَالْبَلَاغِ مِنَ اللَّهِ إِنَّمَا يَبْغِي ثوابه مِنَ اللَّهِ الَّذِي فَطَرَهُ أَفَلَا تَعْقِلُونَ مَنْ يدعوكم إلى