قَالَ قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا أَشُكُّ وَلَا أَسْأَلُ» «1» وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَهَذَا فِيهِ تَثْبِيتٌ لِلْأُمَّةِ وَإِعْلَامٌ لَهُمْ أَنَّ صِفَةَ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْجُودَةٌ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي بِأَيْدِي أَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ [الْأَعْرَافِ: 157] الآية، ثم مع هذا العلم الذي يَعْرِفُونَهُ مِنْ كُتُبِهِمْ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ يَلْبَسُونَ ذَلِكَ وَيُحَرِّفُونَهُ وَيُبَدِّلُونَهُ وَلَا يُؤَمِّنُونَ بِهِ مَعَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ أَيْ لَا يُؤْمِنُونَ إِيمَانًا يَنْفَعُهُمْ بَلْ حِينَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا وَلِهَذَا لَمَّا دَعَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ قَالَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ [يُونُسَ: 88] كَمَا قَالَ تَعَالَى:
وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ [الأنعام: 111] ثم قال تعالى:
فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (98)
يَقُولُ تَعَالَى فَهَلَّا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ بِكَمَالِهَا مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ الَّذِينَ بَعَثْنَا إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ بَلْ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَذَّبَهُ قَوْمُهُ أَوْ أَكْثَرُهُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ [يس: 35] كَذلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ [الذَّارِيَاتِ: 52] وَكَذلِكَ مَا أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزُّخْرُفِ: 23] وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «عُرِضَ عَلَيَّ الْأَنْبِيَاءُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ يَمُرُّ وَمَعَهُ الْفِئَامُ مِنَ الناس والنبي يمر مَعَهُ الرَّجُلُ وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلَانِ وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ» ثُمَّ ذَكَرَ كَثْرَةَ أَتْبَاعِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ ذَكَرَ كَثْرَةَ أُمَّتِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ كَثْرَةً سَدَّتِ الْخَافِقَيْنِ الشَّرْقِيَّ وَالْغَرْبِيَّ.
وَالْغَرَضُ، أَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ بِكَمَالِهَا بِنَبِيِّهِمْ مِمَّنْ سَلَفَ مِنَ الْقُرَى إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ وَهُمْ أَهْلُ نِينَوَى وَمَا كَانَ إِيمَانُهُمْ إِلَّا خَوْفًا مِنْ وُصُولِ الْعَذَابِ الَّذِي أَنْذَرَهُمْ بِهِ رَسُولُهُمْ بَعْدَ مَا عَايَنُوا أَسْبَابَهُ، وخرج رسولهم من بين أظهرهم فعند ما جأروا إلى الله واستغاثوا به وتضرعوا له وَاسْتَكَانُوا وَأَحْضَرُوا أَطْفَالَهُمْ وَدَوَابَّهُمْ وَمَوَاشِيَهُمْ وَسَأَلُوا اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ الَّذِي أَنْذَرَهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ فَعِنْدَهَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَكَشَفَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ وَأُخِّرُوا كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ [يُونُسَ: 98] وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ هَلْ كُشِفَ عَنْهُمُ الْعَذَابُ الْأُخْرَوِيُّ مَعَ الدُّنْيَوِيِّ أَوْ إِنَّمَا كُشِفَ عَنْهُمْ فِي الدنيا