أعطيتهم هَذَا لِحُبِّكَ إِيَّاهُمْ وَاعْتِنَائِكَ بِهِمْ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ:
أَيْ أَهْلِكْهَا، وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: جَعَلَهَا اللَّهُ حِجَارَةً مَنْقُوشَةً كَهَيْئَةِ مَا كَانَتْ «1» ، وَقَالَ قَتَادَةُ بَلَغَنَا أَنَّ زُرُوعَهُمْ تَحَوَّلَتْ حجارة، وقال محمد بن كعب القرظي جعل سُكَّرَهُمْ حِجَارَةً.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي الْحَارِثِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ قَرَأَ سُورَةَ يُونُسَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ حتى بلغ وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا إلى قوله: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ الآية، فقال عُمَرُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ أَيُّ شَيْءٍ الطَّمْسُ؟ قَالَ: عَادَتْ أَمْوَالُهُمْ كُلُّهَا حِجَارَةً، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِغُلَامٍ لَهُ: ائْتِنِي بِكِيسٍ فَجَاءَهُ بِكِيسٍ فَإِذَا فِيهِ حِمَّصٌ وَبَيْضٌ قَدْ حَوْلَ حِجَارَةٍ.
وَقَوْلُهُ: وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيِ اطْبَعْ عَلَيْهَا فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ وَهَذِهِ الدَّعْوَةُ كَانَتْ مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ غَضَبًا لِلَّهِ وَلِدِينِهِ على فرعون وملئه الذين تبين له أنهم لَا خَيْرَ فِيهِمْ وَلَا يَجِيءُ مِنْهُمْ شَيْءٌ كَمَا دَعَا نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً [نُوحٍ: 26- 27] وَلِهَذَا اسْتَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيهِمْ هَذِهِ الدَّعْوَةَ الَّتِي أَمَّنَ عَلَيْهَا أَخُوهُ هَارُونُ فَقَالَ تَعَالَى: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَأَبُو صَالِحٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ دَعَا مُوسَى وَأَمَّنَ هَارُونُ أَيْ قد أجبنا كما فِيمَا سَأَلْتُمَا مِنْ تَدْمِيرِ آلِ فِرْعَوْنَ، وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ تَأْمِينَ الْمَأْمُومِ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةِ قِرَاءَتِهَا لِأَنَّ مُوسَى دَعَا وَهَارُونَ أَمَّنَ، وَقَالَ تَعَالَى: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما الآية، أَيْ كَمَا أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا عَلَى أَمْرِي قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَاسْتَقِيمَا فَامْضِيَا لِأَمْرِي وَهِيَ الِاسْتِقَامَةُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُونَ إِنَّ فِرْعَوْنَ مَكَثَ بَعْدَ هَذِهِ الدَّعْوَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الحسين أربعين يوما.
وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (92)
يَذْكُرُ تَعَالَى كَيْفِيَّةَ إِغْرَاقِهِ فِرْعَوْنَ وَجُنُودَهُ فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا خرجوا من مصر بصحبة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُمْ فِيمَا قِيلَ سِتُّمِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ سِوَى الذُّرِّيَّةِ وَقَدْ كَانُوا اسْتَعَارُوا من القبط